Search Website

تدبرات المرجع المدرسي في سورة (ص) شهر رمضان المبارك / 1435 – (الدرس الأول)

تدبرات المرجع المدرسي في سورة (ص) شهر رمضان المبارك / 1435 – (الدرس الأول)

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

تقبل الله اعمالكم وجعلنا واياكم من المرحومين في هذا الشهر الفضيل.

كالسنوات الماضية، بدأ سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي دام ظله، محاضراته القرآنية القيمة في شهر رمضان المبارك، حيث بدأ هذا العام بالتدبر في سورة (ص).

ولتعميم الفائدة نسعى – بحول الله وقوته – لارسال خلاصة الدروس هذه يوميا. ورجاؤنا من الاخوة والاخوات بعد قراءتها والتمعن فيها ارسالها الى العناوين التي يملكونها للمساهمة في نشر الفكر القرآني وبصائر كتاب الله في اوسع الآفاق.

وفقكم الله لما يحب ويرضى

مكتب المرجع الديني آية الله العظمى المدرسي

بسم الله الرحمن الرحيم

ص والْقُرْءَانِ ذِى الذِّكْرِ(1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فىِ عِزَّةٍ وشِقَاقٍ(2)

القرآن عين الحياة

من القواعد الهامّة للتدبّر في القرآن الكريم هو التأمل في مفردات القرآن من كلماته المباركة، بل واحرفه الشريفة بشكل منفصل، ومن ثمّ التفكر في العلاقات العلمية والتربوية بين الكلمات المختلفة بعضها مع بعض والآيات مع بعضها، وهكذا يحصل المتدبِّر عبر هذين النوعين من التدبر [الموضعي والموضوعي] على الكثير من البصائر والمعارف القرآنية.

معنى الحروف المقطعة

تبدأ السورة بحرف [ص] فماذا يعني؟

هناك الكثير من المباحث عن الحروف المقطعة في بدايات بعض سور القرآن، وفيما يبدو أنّ كلّ ما قيل عن هذه الحروف المقطّعة صحيحة من بعض الابعاد  ولكنها خاطئة من أبعاد اخرى، بمعنى أنّ هذه الحروف لها معانٍ  صحيحة اشار المفسرون اليها ولكن من الخطأ  أن نحصر المعنى بذلك.

المعنى الاول: القول أنّ الحروف المقطعة بصورة عامّة ومنها [ص] الوارد في صدر هذه السورة المباركة هي عبارة عن رموز وعلامات  بين الله ورسوله.

ومن الممكن أن تحمل الحروف رموزاً يفهمها اشخاص معينون فقط. كما يُنقل في الأثر أن أحد الائمة عليهم السلام ارسل الى ثلاثة من  أصحابه يوماً رسالة وجعل محتواها حرف [ج] وذلك حين ضيقت عليهم السلطة العباسية، ففهم احدهم من ذلك الـ[جلاء] فهاجر من المدينة، وفهم الآخر من الرسالة الـ[جنون] فتظاهر به، اما الثالث ففهم منه [جُنّة] فقرر الاختفاء. فهم قد استفادوا ثلاثة معانٍ وكلها صحيحة من نفس الرسالة.

وهكذا من الممكن ان يكون [ص] رمزاً وعلامة بين الله ورسوله.

المعنى الثاني: وهو المعنى الوارد في بعض الروايات عن المعصومين عليهم السلام وهو أنّه  اسم لنهر ينبع من ركن العرش.

في الحديث عن  الامام الكاظم (عليه السلام): «إن أول صلاة صلاها رسول اللّه (صلى الله عليه واله) انما صلاها في السماء بين يدي اللّه تبارك وتعالى قدّام عرشه جلّ جلاله، وذلك أنه لمّا أسري به وصار عند عرشه تبارك وتعالى قال: يا محمد أدنُ من صاد فاغسل مساجدك وطهرها وصلّ لربك، فدنى رسول اللّه (صلى الله عليه واله) الى حيث أمره اللّه تبارك وتعالى فتوضى وأسبغ وضوءه». قلت (يعني الراوي): جعلت فداك وما صاد الذي أُمِر أن يغتسل منه؟

فقال: عين تنفجر من ركن من أركان العرش، يقال له ماء الحيوان، وهو ما قال

اللّه عزّ وجل: ص. والْقُرْآنِ ذِي الذِّكْر[1].

قالو ان (ص) هو  ماء الحياة الذي ينبع من ركن العرش، واهيمة هذا الماء والسبب في قسم الله تعالى به، هو أنّ من يشرب من هذا الماء يُصبح قلبه طاهراً، وربما هو حوض الكوثر الذي إن شرب منه المؤمنون طهرت قلوبهم. يقول عزوجل: [وَ نَزَعْنا ما في‏ صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْري مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي هَدانا لِهذا وما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ ..] الاعراف 43.

فأين نجد تلك العين؟

في هذه السورة نجد تلك العين التي اقسم بها الله، ولذلك ورد في الحديث عن الامام الباقر عليه السلام أنّ: (من قرأ سورة ص في ليلة الجمعة أعطي من خير الدنيا والاخرة ما لم يعط أحد من الناس، الا نبي مرسل او ملك مقرب، وأدخله الله الجنة…)[2].

وباعتقادي أنّ هذا هو محور سورة (ص) أنّ الله يقول لنا نحن البشر: آمنو بي أؤمن لكم دنياكم وآخرتكم. يقول لنا: كونوا من أهل الجنة وانتم في الدنيا، كما كان اصحاب الامام الحسين (ع) في كربلاء يعيشون الجنان وهُم في هذه الدنيا.

فاذن عين الحياة في الدنيا هو القرآن الكريم، وطبعاً ليس منفصلاً عن اهل البيت انما هما نور واحد في شقّين.

المُقسم عليه

قالوا: إن (ص) قسم وكذلك ما بعده حيث يقول الله تعالى: [والْقُرْءَانِ ذِى الذِّكْرِ] ولكن السؤال ما هو المُقسم عليه؟

قال البعض: إن المُقسم عليه هو قول الله تعالى: [انك لمن المرسلين] في سورة (يس) حيث يُثبت النبوة حتى وان كفر بها الآخرون واخذتهم العزة بالاثم.

و لكن ما اعتقده أنّه ليس ذلك فحسب، بل ان المُقسم عليه هو كلّ القرآن، يعني أن كل الامور التي ذكرت في القرآن صحيحة، وهذا المعنى اكثر شمولاً من المعنى الاول. والدليل عليه هو في قوله تعالى: [ذِى الذِّكْرِ] حين نعرف أنّ الذِّكر من تذكّرنا لشيء نعلمه لكننا نسيناه او تغافلنا عنه، ومعنى ذلك أن القرآن الكريم يجعل الانسان ينتبه الى عقله ويُرجعه الى فطرته وايمانه، فهو يوقظ الانسان في الانسان، ويقول له: ارجع الى نفسك وانظر من انت؟

وحين يعود الانسان الى نفسه يجد حقيقته وقيمته التي تسمو عن المال والجاه والمنصب، لأنّه يجد نفسه أنه الانسان الذي سجدت له ملائكة السماء، ويجد حقيقة مَنْ خَلقَه وقال – كما جاء في حديث قدسي – : (يابن آدم، أنا حي لا أموت، أطعني فيما أمرتك حتى أجعلك حياً لا تموت. يابن آدم، أنا أقول للشيء: كن، فيكون، أطعني فيما أمرتك حتى أجعلك تقول للشيء: كن، فيكون)[3].

حينما يفهم الانسان ذلك وتتفتح بصيرته يعرف صحة هذا القرآن. فليست صحة القرآن في بلاغته فحسب، بل حجته في ذاته. كما أنّ من يدلّك على عين ماء، تعرف يقيناً صدقه حين تصل الى الماء ولا تحتاج هنالك الى أي برهان على ذلك، لأنك توصلت اليه مباشرة.

فالقَسَم بذلك القرآن الذي تجد صحته كلما تفتّحت بصيرتك، وقوله تعالى: (ذِى الذِّكْرِ) هو دليل على صحة القرآن حيث أنّه يُذّكِّر الانسان .

حُجب الهداية

لكن الانسان، ولوجود حُجبٍ تحجبه عن الحقيقة، لا يستفيد من ذلك النور الالهي الذي جاء رحمة له، كما لم يستفد العرب في الجاهلية منه. فعلينا ان نعتبر بالبصائر القرآنية لكي لا نقع في الاخطاء التي وقع فيها اولئك، لان الناس جميعهم شرع سواء، ومن الممكن ان يقع كل واحد منّا بتلك الاخطاء. ومن هذه الحجب:

1- العزّة: ويعني الغرور، يقول الله تعالى: (وإِذا قيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ولَبِئْسَ الْمِهادُ) (البقرة،206).

فالمصير الطبيعي لمثل اولئك هو جهنهم وبئس المهاد، ذلك لان الانسان حين يفرح بما اوتي، يظن انه لا ينقصه شيء وما عنده هو كل شيء.

وهذه مشكلة البشر، أنّ النعم تجعله مغروراً بها، فتكون العزة حجاباً بيننا وبين الحقيقة.

2- الشقاق: هو التمرد على الحق. إنّ التربية الخاطئة قد تحدث في نفس البعض روح التمرد، وقد تكون هناك أسباب أخرى لحالة التمرد. فكلمة الشقاق مشتقة من: الشق، ويعني قطع قطعة من الاصل.

البعض من الناس يحاول دائماً مخالفة الناس حتى ولو كانوا على حق.

واستخدام القرآن الكريم لحرف [في] يدلل على ان العزة والشقاق هما كوعاء دخل فيه هؤلاء فضلّوا وحجبوا انفسهم عن الحق.

 

بصائر:

 (ص) هو رمز وعلامة بين الله ورسوله، ومن معانيه انه ماء الحياة، وهو في هذه الدنيا القرآن، ولكي نصل الى ذلك الماء العذب علينا ان نتجاوز العزة والشقاق.

و صل اللهم علی محمد و آله الطیبین الطاهرین

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – رواه ابن عباس نور الثقلين ج 4 ص 442

[2] – بحار الانوار، ج89، ص 297.

[3] – مستدرك الوسائل، ج11، ص 258.