Search Website

”سورة الفجر“ راية الامام الحسين (ع) لانتصار المظلوم على الظالم

”سورة الفجر“ راية الامام الحسين (ع) لانتصار المظلوم على الظالم

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

وَالْفَجْرِ ﴿١ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴿٢ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴿٣ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ﴿٤ هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ﴿٥ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ﴿٦ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ﴿٧ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴿٨ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ﴿٩ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ﴿١٠ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴿١١ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴿١٢ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴿١٣ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴿١٤ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴿١٥ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴿١٦ كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴿١٧ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴿١٨ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا ﴿١٩ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴿٢٠ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ﴿٢١ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴿٢٢ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ ﴿٢٣يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴿٢٤ فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ﴿٢٥ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴿٢٦ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴿٢٧ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ﴿٢٨ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ﴿٢٩ وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴿٣٠

(سورة الفجر المباركة)

.

إعداد / بشير عباس

حينما يضع الانسان امامه هدفاً محدداً، يتمنهج كل انحاء حياته ضمن ذلك الهدف بصورة واعية او حتى غير واعية. ان الحظوة بلقاء الرب هو الهدف الاسمى لكل انسان متزن ذي لب، فالانسان الذي اكتملت فيه الانسانية، يسعى لأن يحضى بلقاء ربه. وان يكون كما قال ربنا في صفته “يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية”، فاذا كانت اللحظة الاخيرة من حياة الانسان في مستوى الخطاب الرباني؛ “يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي”، فطوبى لصاحب هذه النفس المؤمنة، أما اذا كانت كلمة اخرى مناقضة ومغايرة بحيث تخرج الروح بسفود من نار، فبئس المصير وسوءةً لصاحبها. نحن حينما نقرأ آيات القرآن الكريم نبدأ اولا بتذكير أنفسنا قبل ان يأتينا الخطاب، “يومئذً يتذكر الانسان” أي يفكر “وانى له الذكرى”، فلا مجال يومئذ للتفكير والتذكير، لذا يتمنى بعض الموتى من الله ان يؤخرهم ربع ساعة فقط لأجل الاستغفار والقيام بالعمل الصالح، فيأتيه الجواب: ألم تكن فترة الستين او السبعين عاماً كافية حتى تطلب ربع ساعة اخرى…؟! ثم كم شيعنا من الاموات وتذكرنا ولكن الذكرى كانت خاطفة سرعان ما تلاشت في زحمة الحياة.
والحقيقة؛ يستحب للانسان حينما يرى تشييعاً لجنازة أن يقول: (الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم)، أي لم يجعلني محروقاً، ثم يردد في نفسه وهو في عز وعيه: “ربي ارجعون….” بمعنى ان يصور نفسه مكان ذلك الانسان المتوفّى، ثم يسأل ربه ان يرجعه ليستأنف العمل، ولكن مشكلة الانسان ان قلبه محيط بشهوات و وساوس وضغوط الحياة مما يصعب عليه الانطلاق والعروج، لذا يكون بحاجة الى صعقة داخلية عنيفة حتى يستخرج نفسه من هذا الركام المحيط بقلبه.

(سورة الفجر) تجسيد ليوم الطف
لقد نزلت (سورة الفجر) المباركة على قلب نبينا الاكرم صلى الله عليه وآله، و أُولت في نهضة ابي عبد الله الحسين عليه السلام. فاذا سُؤلت؛ أي سورة في القرآن الكريم نزلت في كربلاء يوم عاشوراء، وفي هذه النهضة الكبرى؟ سيقول لك الائمة الاطهار عليهم السلام: انها سورة الفجر. لان الامام الحسين عليه السلام هو فجر الانتصار والتحول في الامة وثورته المعطاء، وهي التي تحولت الى ثورات والى مسيرة ثورية مستمرة الى الابد والى قيام امامنا الحجة بن الحسن عجل الله فرجه، فهذه الثورة تتصل بتلك، وما بينهما نحن الذين نحمل اليوم رايتها ان شاء الله. فمن يحمل راية ابي عبد الله الحسين و راية سورة الفجر، طوبى له، فهو الذي يستحق ان يقال له عند الوفاة: يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية“.

لاحظوا هنالك غرابة في هذه الآية الكريمة، ان الله لم يقل لهؤلاء الذين قد وصلوا الى القمة حتى اصبحت انفسهم مطمئنة بالايمان: تعالوا الى القصور والدور والحور والاشجار والجنات… بل قال لهم: “فادخلي في عبادي”، لان اعظم ثواب للانسان ليس الجنة ولا الحور العين ولا الرضوان – المناطق التي تحمل هذا الاسم- ولا العدل ولا…. انما اعظم نعمة هي ان الانسان يرافق ابا عبد الله الحسين عليه السلام، لذلك حينما يأتي المؤمن ملك الموت ليقبض روحه – وهذا متواتر عند المؤمنين سمعناه من آبائنا ومن اخواننا وقرأناه في كتبنا – لا يحب الدنيا ولا يحب فراق أحبته، فقد كان الامام الحسن عليه السلام يبكي من فراق الاحبة، حيث كان عنده أناس مؤمنون وطيبون، لذا أمر الله تعالى ملك الموت بان لا يقبض روحه إلا بعد ان يستأذنه ويسترضيه. فقال: له هذا عبدي الا تأخذ منه اجازة وتأخذ روحه. هنالك يرضى الانسان المؤمن ويقول: اذاً اذهب مع ائمة الهدى واكون معهم، بل يطلب اللحاق بهم بسرعة تاركاً وراءه الدنيا وما فيها، وهذه هي النعمة الكبرى، وهي مصداق الآية الكريمة: “فادخلي في عبادي”، فاذا اردنا ان نحظى بهذه النعمة يجب علينا تطبيق (سورة الفجر).

بعض الاحيان وفي بعض الاوراد المذكورة يقولون بان سورة معينة من القرآن الكريم تُقرأ لرفع الصداع أو لاستنزال الرزق، وكل ذلك صحيح، لكن الصحيح ايضاً والمطلوب أن نقرأ (سورة الفجر) حتى نكون من اهلها وحتى نخاطب بها، وان يقرأ سورة ابي عبد الله الحسين عليه السلام ثم يطبقها على نفسه، “والفجر وليال عشر والشفع والوتر”. هذه السورة تضم حقيقة ان الانسان ليطغى، شاء ذلك أم أبى، فالبشر مركب من مجموعة آليات تتحكم على حياته، ففي البرد يرتجف الانسان وفي الحر يتعرّق، ويجوع إن لم يأكل ويعطش إن لم يشرب الماء وهكذا… وكما هناك آليات لجسمك، فهناك آليات ايضا لروح الانسان، من جملة الاليات، عدم شعور الانسان احياناً بالحاجة و بالتحرر فتتولد عنده حالة الطغيان، وهي من أسوء ما يكون عنده، “ان الانسان ليطغى ان رأه استغنى”، هذا الطغيان يتعاظم حتى يصل الى مرحلة ان يقول: (انا ربكم الاعلى)!! كما قالها فرعون، وكما تقول فراعنة الزمان في كل زمان، يسمي نفسه ملكاً أو حاكماً وغيرها من الصفات والالقاب، وقد فعلها الطاغية المقبور حينما اخترع لنفسه تسعة وتسعين اسماً، وحاول ان يكرسها في نفوس الشعب العراقي، لكنها ذهبت ادراج الرياح واصبح هو في خبر كان.
سلام الله عليك يا ابا الحسن، يا امير المؤمنين… يقول: (مسكين ابن ادم؛ تؤذيه البقة وتنته العرقة وتقتله الشرقة)، لكن مع ذلك نجد طغاة اليوم نسخة مكررة لطغاة الأمس، لان الشيطان هو نفسه، والنفس الامارة بالسوء هي نفسها، وكل شيء تجده حولك انما هو ذات الشيء الذي كان في سالف الزمان، من هنا نقرأ في زيارة عاشوراء: (اللهم العن اول ظالم ظلم ال محمد واخر تابع لهم على ذلك)، لان حقاً هناك من يتبع الظالمين للنبي واهل بيته عليهم السلام.

راية الحسين تواجه الدبابات
اذا أجاب الطغاة على مطالباتنا وصيحاتنا بالدبابات والطائرات والامكانات المالية والمؤامرات والدسائس، فنحن نتسلح بـ (سورة الفجر) وبنهضة ابي عبد الله الحسين عليه السلام ونتسلح بالفكر الرسالي، ولا مبالغة في الحديث، والله على ما اقول شهيد؛ إن راية العباس عليه السلام التي سقطت من يده في كربلاء بعد ان قطع الطغاة يديه، لم تسقط على الارض إنما هي قائمة ومرفوعة بايدينا، فنحن اليوم نحملها من بعد العباس عليه السلام. وإن هم يريدون او يحاولوا اقناعنا للتنازل او تركيعنا واذلالنا واهانتنا بقوتهم العسكرية بهدم مساجدنا وحسينياتنا وحرق قراننا فأننا نحاربهم بمنطق الشهادة ونقول لهم: (الا ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة. وهيهات منّا الذلة). نحن قررنا ان نموت واقفين… قررنا ان نموت ولا يسمعون منّا كلمة آه….! نموت وقلوبنا مفعمة بالايمان نموت ونحن نقول: “يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية”. ان حوزاتنا العلمية في النجف الاشرف وفي كربلاء المقدسة وفي قم المشرفة وفي مشهد الرضا وسائر الحوزات العلمية هي بالمرصاد، لان الله قال في كتابه العزيز حينما تحدث عن عاد وعن ثمود وعن فرعون وعن اولئك الطغاة الذين اهلكو ودمروا: “ان ربك لبالمرصاد”، إن الله تعالى ينصر دينه ليس فقط بالملائكة أو القوى الغيبية، إنما ايضاً بعباده الصالحين، وهو القائل تعالى: “ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم”. واليوم أهلنا الذين يواجهون الانظمة الفاسدة الكاسدة سواء في البحرين او في اليمن او في اي منطقة اخرى، مدعوون لحمل راية الامام الحسين عليه السلام والتمسك بها، فهي راية النصر، وهي الراية التي حملها امير المؤمنين ونصره الله تعالى بها في بدر وفي حنين وفي خيبر وفي الاحزاب وفي كل المواقف، لانها راية جبرائيل و راية مكائيل وراية العرش وهي راية الله سبحانه وتعالى بيد اوليائه.

القرآن الكريم يفضح الطغاة
لماذا (الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة)؟ لان مصباح الحسين هو القرآن الكريم نفسه. ان الامة الاسلامية طوال تاريخها انما استطاعت ان تنتصر على اعدائها وان تتحدى الصعاب التي تحيط بها، من الحروب الصليبية و الاعصار التتري والمشاكل الكبرى وأن تتحدى التمزق والافكار السلبية، كل ذلك بفضل القرآن المجيد وأهل البيت عليهم السلام، تبعاً لما قاله النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي) ثم قال النبي: (واعلموا انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)، بمعنى؛ لا أحد يمكنه القول: اني احب اهل البيت دون القرآن الكريم وكذلك العكس، ولا احد يصدق اذا قال: انا احب القرآن الكريم ولا احب اهل البيت عليه السلام!
ان ما حمله معاوية في حرب (صفين) على الأسنة لم يكن قرآناً، لأن الامام علي عليه السلام هو القرآن الناطق. كذلك الحال مع عمر بن سعد في كربلاء عندما قال: (يا خيل الله اركبي وابشري بالجنة…)! ويزيد الذي قتل الامام الحسين وهدم الكعبة واستباح المدينة. وامتداداً لهذه المسيرة نجد اليوم مجموعة من المرتزقة المشبوهين الذي لا يعرف لهم أصل، ويقدمون على تمزيق الكتاب المجيد في مساجد وحسينيات (المملكة البحرينية) والغريب ان هذه المصاحف هي من طباعة المدينة المنورة، فهي من نتاجهم، لكنهم يمزقونه ويحرقونه!!
من هنا يجب ان تكون الحوزات العلمية منبعاً للقرآن الكريم، وعلى الحوزات العلمية أن لا يهجروا القرآن، إنها وصية امامكم علي بن ابي طالب عليه السلام لشيعته حيث قال: (الله، الله في القرآن، لايسبقنكم بالعمل به غيركم…)، فلايمكن لأحد ان يدعي حمل راية الامام الحسين ثم لا يستطيع ان يفهم القرآن، قد تقولون: ان المناهج الموجودة حالياً في الحوزات العلمية لا تضم مناهج خاصة بالقرآن الكريم، اقول لكم: بلا… توجد في الحوزة العلمية مناهج في القرآن الكريم، وهذا ما كان معهوداً في السابق، اذ لم يكن الطالب يدخل الحوزة الا بعد ان يكمل قرائته للقرآن الكريم. انا شخصياً درست القرآن الكريم منذ طفولتي الى جاني دراسة الاحكام الشرعية في كربلاء قبل الدخول في الحوزة العلمية، وذلك عند الشيخ الاصفهاني في مدرسة ابن فهد الحلي وعند الشيخ علي اكبر النائني في بيته في سالف الزمان. لذا اقتراح للاخوة في الحوزات العلمية تخصيص صف تمهيدي يدرس فيه الطالب بدايةً القرآن الكريم ويحفظ آيات معينة وايضاً خطب وحكم من نهج البلاغة ويحفظ ادعية. في السابق كان طلبة الحوزة العلمية من حفظة القرآن الكريم، وتبعاً لهذه السنّة كان المجتمع باكمله مجتمعاً قرانياً. اتذكر اني كنت في مرحلة الشباب أتخذ (سوق الزينبية) طريقاً الى الحرم الشريف، وكنت ارى المنظر الجميل، حيث الكسبة يفتتحون اعمالهم صباح كل يوم بتنظيف واجهة المحل ثم رشه بالماء وبعدها الجلوس لقراءة القرآن الكريم، أما اليوم نجد المجتمع وقد تكالبت عليه مختلف الثقافات الوافدة الغريبة منها والعلمانية والشيوعية والبعثية وغيرها، وهذا بسبب وجود التكنولوجيا المتطورة في وسائل الاعلام، فاذا لا يتسلح طالب العلم بالفكر القرآني الاصيل وفكر اهل البيت ونهج البلاغة والصحيفة السجادية، فانه سيجد نفسه ضعيفاً امام الفكر الاخر. لان الفكر الاخر بدأ يهجم، وهو يمتلك اهداف وامكانات هائلة من تكنولوجيا وكادر علمي وثقافي كبير.
قرآن أبو ذر لا قرآن معاوية

هنالك تفسير خاطئ للقرآن الكريم يقوده المنحرفون منذ العهود الاولى في الاسلام، وما تزال المسيرة متواصلة، فهنالك التأويل الخاطئ والتحريف وابعاد القرآن عن المجتمعات وابعاده عن السياسة.
كان الصحابي الجليل ابو ذر الغفاري رضوان الله عليه، مبعداً الى الشام بأمر الخليفة الثالث، و ربما كانت ثمة رسالة من الخليفة الى معاوية – الوالي على الشام آنذاك- بان كثف المراقبة عليه وحدد تحركاته، لكن هذا الصحابي كان يخرج يومياً الى قصر معاوية ويرفع صوته بالآية الكريمة: “ان الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم”، واستمر على هذا النهج أياماً حتى ضاق ذرعاً به، وقال به يوماً: ألا توجد آية أخرى في القرآن لتقرأها يومياً؟! قال: بلى؛ لكن لا توجد سوى هذه الاية تناسبك، فأيقن معاوية بان أبا ذر سيفسد عليه أمره في الشام ويزعزع سلطانه فطلب من الخليفة ابعاده من الشام.
هكذا الاية الواحدة حينما تقرأها في الوقت والمكان المناسبين، من شأنها أن تهز العروش وتهدد الطغاة مهما كانوا.
هناك تأويل خاطئ لآيات قرآنية؛ يقال: (ان أولو الامر يقولون لا تخرجوا الى التظاهرات)، لكن من هم (أولو الامر)؟! وما هي هذه الفلسفة البائسة والكاسدة التي تفسير الدين بغير ما انزل الله، لم تعان المجتمعات من مشكلة ومحنة بقدر ما عانت من التفسير الخاطئ للآيات القرآنية ولكلمات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله. إذن؛ سلاح الامم امام الطغاة بصائر القرآن الكريم واهل البيت، فاذا تسلحت الامة باهل البيت فلا خوف عليه ولا هم يحزنون، وعندها تتمكن من ازالة الطغاة واذنابهم كما تزيل الاوساخ من وجه الارض. وليكن اليوم الكيل بمكيالين في الاعلام العربي الذي يرفع عقيرته على ما يجري هنا وهناك وفي بلاد الشام لكن لا كلام ابداً عما يجري في البحرين.

خلف الليل البهيم فجر مشرق
اذا تصور الحكام انهم يتمكنون من اخفاء الحقائق كما فعلوا طوال السنوات الماضية، فان الفضائيات والانترنت باتت تنشر كل شيء، فاذا كانت كلمتكم واحدة للشعوب، يصدقكم الناس، اما اذا كانت هنا كلمة وهناك كلمة أخرى فان الناس يشككون في مصداقيتكم، ربنا في سورة الفجر يقول في اول آية كريمة: “والفجر وليالٍ عشر”، وسبحان الله! فان اسم السورة فجر تعرف الفجر نفسه، وهو كمن يأتي الى بيته ليلاً ويشعر بالارهاق وينتظر لحظة الانفراج والانبلاج ولحظة تفجر النور، يقول القرآن: (والفجر)، فاذا طال الليل فان وراء الليل البهيم فجرٌ مشرق؛ فجر الامل والنصر ان شاء الله، “والفجر وليالٍ عشر والشفع والوتر والليل اذا يسر”. ان الليل يمضي لكن القرآن يقول: “هل في ذلك قسم الذي حجر”، ولا يقول أحدٌ؛ ان الطغاة يحكمون وبيدهم القوة والامكانيات، فهم ذاهبون كالليل البهيم، ويأتي خلفهم اهل الصلاح يأتون كما الفجر، والتاريخ شاهد على هذه الحقيقة؛ “ألم تر كيف فعل ربك بعاد……”، فهؤلاء الطغاة يشكلون امثلة ضخمة في التاريخ، فقد اكثروا في الارض الفساد، بل انهم بنوا لسنين طوال وبنوا الاهرام والقلاع وحفروا الجبال، لكن الله تعالى أتى عليهم بسوط عذاب، ولما ضربهم دمر كل ما كان لديهم، بيان اللحظة الواحدة؛ “فصب عليهم ربك سوط عذاب”، وبعدها تقول الآية الكريمة: “ان ربك لبالمرصاد”، اذن؛ اعطانا الله الامل، فلم يكن هؤلاء الموجودين بافضل من أولئك، ثم ربنا يبين طبيعة الانسان ويبين ان عليه ان ينتظر اللحظة المناسبة للعودة الى الله.
نقول للعالم أجمع: اننا ندين بأشد العبارات ما يجري على اخواننا في البحرين من هتك للاعراض، فهنالك (1000) إمرأة في سجون النظام البحريني، و بين فترة واخرى يأتون بجثة فتاة ويرموها على باب بيتها، هذا العمل كان بعيداً عن نهج فرعون فقد كان يستحيي النساء ويبقيهن على الحياة، لكن هؤلاء عديمي الشرف، لانهم لم يكونوا أهل شرف في تاريخهم، فقد مارسوا قتل الاولاد والصبية واقتحموا البيوت الآمنة وروعوا الناس وحرقوا المساجد والحسينيات ودمروها انطلاقاً من حقد اموي قديم. و نحن إذ ندين كل هذه الممارسات الاجرامية، نقول للشعب المظلوم في البحرين ولكل شعب مظلوم في كل مكان: اقروأ (سورة الفجر)، وركزوا على هذه الآية: “ان ربك لبالمرصاد”، فكما فعل الله بعاد وكما فعل بثمود وغيرهم من الطغاة، سينتقم الله من هؤلاء ويصب عليهم سوط عذاب ان شاء الله.
بقي علينا نحن اهل العلم وطلبة العلوم الدينية، أن نحمل راية الامام الحسين واخيه ابي الفضل العباس ان شاء الله عالياً ونقول لأولئك المظلومين: نحن معكم ونحن ان شاء الله ببركة الامام الحسين وبركة القرآن وببركة الثقلين كتاب الله واهل البيت سوف نزودكم بالفكر الرسالي الاصيل والبصائر الايمانية الصحيحة ونجعلكم أقرب الى الحقائق وتنتظرون نصر الله ان شاء الله. “وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون”.
.

كلمة سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المُدّرسي (دام ظله) التي ألقاها يوم الإثنين 22/ جمادى الأول/ 1432 هـ ، الموافق 25/ نيسان – أبريل/ 2011 م ، في مكتبه بمدينة كربلاء المقدسة على جمع من الأهالي والزائرين.