Search Website

الإمام المهدي(عج) اشراقة الأمل وروح العمل

الإمام المهدي(عج) اشراقة الأمل وروح العمل

الكلمة الأسبوعية لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المُدّرسي (دام ظله) التي ألقاها يوم الخميس، 11/ شعبان/ 1442 هـ ، الموافق 03/25/ 2021 م

(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)}سورة القدر{.

هل أن ليلة القدر التي أعطاها الرب هذه الصفة العليا كونها خير من (ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر) من عمر الانسان، هل انتهت هكذا بشكل سريع؟

وبصورة عامة هل أن العلاقة بين الله وخلقه، وبينه وبين السماء والأرض قد انتهت بعد اكتمال نزول القرآن الكريم؟

كلا.. كما ان رسالات الله باقية، كذلك  فإن ليلة القدر باقية، تأتي ثمارها كل عام بإذن ربها. فالله سبحانه الذي بعث الى البشر 124 الف نبي ورسول، لا تزال رسالاته قائمة، ولها رجالها الذين حملوا على عاتقهم مشعل الهداية الى البشرية، ومن يمثل هؤلاء الرجال اليوم هو سيدنا ومولانا الإمام الحجة أبن الحسن المنتظر(عج)، فالارض لا تبقى من دون حجة، ولولا ذلك لساخت بأهلها.

فقناعتنا بالإمام الثاني عشر(عج) قناعة أبدية، لأنها ترتبط برحمة الله الواسعة، فرحمة الله تشمل كل زمن وكل مكان، ومن أبعاد هذه الرحمة هو إرسال الرسل وجعل الاوصياء من بعدهم لكي لا يبقى المجتمع في تيهة الضلالة، وظلمة العمى.

 ولدينا في سبيل إثبات هذه الحقيقة مئات الأدلة من النصوص القرآنية والاحاديث الشريفة، والتي هي في الحقيقة تذكرة للعقل، وآية للبشرية. وهذه الأدلة تنفذ الى من كان باحثاً عن الحق ليسلِّم له، ولا تنفع كل قلبٍ قاسٍ محجوب او كل عقلٍ خاملٍ مغلوب.

التمكين في الأرض سنة إلهية

أوليس الله قادراً على خلق خلقٍ جديد؟ اولا يقدر من خلق السموات والأرض على ان يخلق مثلهن؟ (بلى وهو الخلّاقُ العليم)

أوليس الله قد قهر الجبابرة والفراعنة على مرِّ التاريخ، ثم أورث الأرض لعباده الصالحين؟

فكما أن الله حطّم عروش الطغاة ومكّن المؤمنين من الأرض، يمكنه أن يمكن المؤمنين في الارض من جديد وأن يجعلهم ائمةً و يجعلهم الوارثين.

 وذلك قوله تعالى:(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُون)}القصص، آية:5{.

فالتمكين في الأرض و اهلاكُ الطُغاة والمستكبرين سُنة الهية، وارادة الله مستمرة، اذ (لن تجد لسنة الله تبديلا) و (لن تجد لسنة الله تحويلا)

ويقول الله تعالى:

 “وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ” }الأنبياء، آية:105{، فإرادة الله ستتجلى كما تجلت الاف المرات عبر التأريخ، بأن ينصر الله المستضعفين على المستكبرين، فيصبح المستضعفون من المؤمنين  ظاهرين في الأرض، بعد أن كانوا مشردين تأخذهم البوائق، وتستنزفهم المخاوف.

فعلينا أن نفكر بما حولنا من آيات الله وأسمائه وصفاته، وندرس الـتأريخ، فإذا فعلنا كل ذلك سنجد أن مسار العالم إلى الأمام، وأن البشرية في تصاعد وتكامل وسيأتي اليوم الذي ستعيش فيه تحت أجواء العالم المثالي الخالص من المشاكل والأزمات.

وهذا التاريخ امامنا لنفتش فيه فكم من المستكبرين حاولوا إيقاف هذه المسيرة فقمعوا الضعفاء، وهدموا الدور، وسلبوا خيرات الآخرين، وجهلوا المجتمعات، ورغم كل هذه المواقف نجد البشرية قد تقدمت وتكاثرت وتضاعفت نعمها، وتفوقت علماً وتطوراً.

وهذا الأمر يأخذنا إلى الإيمان بأن الأرض سيرثها عباد الله الصالحون، وهذا هو الأمل الذي نعتقد به، فالأرض لن تبقى على حالها والظلم لن يستمر عليها، وأنه سيأتي اليوم الذي يُمحق به الظلم تماماً، ويُمكن فيه المؤمنين في الأرض، وهو قول رسولنا الكريم(ص):(لَنْ تَنْقَضِيَ الْأَيَّامُ وَ اللَّيَالِي حَتَّى يَبْعَثَ‏ اللَّهُ‏ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي يَمْلَؤُهَا عَدْلًا وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً).[1]

وهذه الفكرة راسخة في نفوسنا، عميقة في وجداننا، اذ العاقبة للمتقين. وعبر الايمان بهذه الفكرة يعيش المؤمن اعلى درجات السعادة رغم كل الظروف الصعبة، لأنه لا يفقد بارقة الأمل الذي ينزل عليه بلسماً لجراحاته ومشكاةً ينير له كل ظلماته.

بصائر مهدوية لحياة أفضل

فاليوم، حيث نعيش – كما تعيش البشرية كلها- ازماتٍ متتالية؛ من كوارث طبيعية الى الركود الاقتصادي و ازمة الرعب النووي، اضافة الى الظلم المستشري في العالم.. فاننا نعيش كل تلك المحن ونتحداها عبر بارقة الأمل في إيماننا بأن النهاية ستكون سعيدة، فلا بد من ظهور المصلح الكرار، فإيماننا هذا هو بمثابة الضوء الباهر في النفق المظلم في الليلة الحالكة.

وفي هذا السياق وختاماً لحديثنا نستوحي من غيبة إمامنا(عج) البصائر الهامة لحياتنا، فنجعل هذه البصائر البرنامج العملي في مسيرتنا التكاملية، ومن أهم هذه البصائر:

البصيرة الأولى: إن غيبة إمامنا(عج) قد علمتنا أن نعيش الأمل في حياتنا، والأمل بدوره زرع في داخلنا الهمة العالية، فلولا الأمل لما كانت الهمة، وهذه الهمة جعلتنا نطير محلقين في مصاف العلى، كما يطير المرء بجناحيه.

ولأننا نعيش الأمل فنحن نزداد عمل وهمة وطموح ومثابرة، ونسعى لعيش مستقبل أفضل، فضلاً عن أن الأمل هو المانع الوحيد أمامنا من العيش تحت قارعة ثقافة اليأس والسلبية، تلك الثقافة التي تتكون في طريق نجاحنا كأنها جدار أسود.

فهذه الإشراقة من الأمل تتمثل في قناعتنا بأن هناك نهاية سعيدة تنتظرنا في هذه الحياة، وهذا الشعور بالتالي قام بدور كبير في إستنهاض مجموعة من البشرية من أجل إصلاح أنفسهم ومجتمعهم، ومحاربة الفساد. 

البصيرة الثانية: ماذا يعني إنتظارنا لإمامنا المهدي(عج)؟ هل يعني هذا الإنتظار الجمود والخمول والإنطواء أم العمل والجد والتقدم؟

من المهم جداً أن نعي هذين السؤالين في حياتنا لأنهما يحددان الثقافة التي ينبغي أن نسير عليها، فلا يخفى أن المراد من الإنتظار هو المعنى الإيجابي، بمعنى أن نسعى ونمهد من أجل ظهوره المبارك، ومثل هذا النوع من الانتظار يجعلنا أكثر تفاعلاً وحيوية في حياتنا، وأنا شخصياً لاحظت المؤمنين الذين يعشقون إمامهم المهدي(عج) ويمهدون له في حياتهم، وجدتهم أكثر حيوية ونشاطاً من غيرهم رغم ان فيهم من ناهز الثمانين عاماً.

البصيرة الثالثة: كثيراً ما نسمع ممن يقول: أنا أنتظر امامي المهدي حتى يخرج، لأقف معه وأنصره وأعزره، وهذا الكلام جميل، لكن الأفضل هو أن نذهب إلى الامام ونستقبله بأنفسنا، حتى لو كان غائباً، وقد يسأل البعض كيف نذهب الى الإمام؟ وكيف نقوم بإستقباله؟

 فأقول لهم: عن طريق أنفسكم تستقبلون الإمام، فلو طورتم أنفسكم وحسنتم منها وجعلتم الإمام(عج) قدوة لكم وأسوة، وتخلقتم بأخلاق الله، التي تجدونها عندكم في القرآن الكريم ونهج أهل البيت الكرام الطيبين، إذا حصل كل ذلك فهذا خير إستقبل لإمامكم الغائب(عج).

ونحن اليوم في هذه المناسبة الشريفة مناسبة النصف من شعبان علينا أن ننهض لإستقبال إمامنا(عج) فربنا سبحانه زاد هذه الليلة إكراما بأن جعل فيها ميلاده العطر، فلنجعل هذه المناسبة منطلقاً لنا في تجديد العهد له بأن نكون في خدمته ومن جنوده وأنصاره، ونسأل الله أن يمن علينا بأن يجعل فينا الأمل فيبعث روح التأسي بالإمام في إيمانه وعبادته وخلقه في نفوسنا، فنتأسى بذلك المنهج الشريف الذي أستوحاه إمامنا عبر القرآن الكريم والأئمة من آبائه الميامين(ع).

فمنهج النبي وأهل البيت(ع) القرآن، وبرنامجهم آياته، فعلينا أن نزداد تفاعلاً مع القرآن، ونزيد من تدبر آياته والإستفادة من بصائره، ونستفيد من الأحاديث المباركة، فهذا كله نوع من إستقباله(عج).

البصيرة الرابعة: أن نجعله شفيعاً لذنوبنا، فنحن البشر خطاؤون، تتراكم علينا المعاصي كل يوم، فتحجبنا عن الله سبحانه، فنحتاج الى الشفيع الذي يقف بيننا وبين ربنا، وأي شفيع أقرب لنا من إمام زماننا، فلكل زمان إمام، واليوم إمامنا المهدي هو ولينا والشافع لذنوبنا، فلنجعله شفيعنا، ليشفع لنا عند ربنا، حتى يغفر لنا الرب، فتتساقط الحجب بيننا وبينه سبحانه، وأيضاً نطلب منه أن يؤمن على دعائنا فندعوا وهو يقول: إستجب لهم يا رب.

وأخيراً: هذه الدروس العظيمة نسأل الله أن نستوعبها ونطبقها وأن يجعل حياتنا كل يوم أفضل وأصلح مما سبق، وأن نسعى بجدية أكثر لإصلاح أنفسنا وإصلاح محيطنا.


[1] – الارشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج2، ص340