
المرجع المدرسي في درس التفسير: استحضار مواقف الآخرة لتجاوز الضغوطات وخلق حالة التوازن بين الدنيا والآخر
05 Jun 2023اعتبر سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي، دام ظله، المذهب الفلسفي القائل بوحدة الوجود بالقول السخيف والفكر الشيطاني الصادر عن الوساوس، مؤكداً أن كل الآيات القرآنية تدل على أن الخلق والمخلوق شيئان مختلفان وليس واحداً.
جاء ذلك خلال درس التفسير اليومي في سورة غافر الذي يلقيه على جمع من العلماء وطلبة البحث الخارج في مكتبه بمدينة كربلاء المقدسة.
وحدة الوجود هو أحد المذاهب الفلسفية القائلة بأن الله والطبيعة حقيقة واحدة والتي نادى بها فلاسفة اليونان والهند منذ قرون.
وقال سماحة المرجع المدرسي في تفسير قوله تعالى: (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ…) إن وحدة الوجود قول سخيف وكلام شيطاني مصدره الوساوس, والإنسان غير قادر على أن يكون هو الله، ومع وجود هذه الرغبة الشديدة لدى قسم كبير من الناس؛ ولكن الآيات القرآنية تدل على أن الخالق والمخلوق ليسا بواحد.
وبيّن سماحته أن الروح مأمورة والله هو الذي يلقيها وليست قائمة بذاتها أو هي جزء من الله كما يعتقد بعض المفسرين، لافتاً إلى أن الروح من عالم الأمر وليست من عالم الخلق الذي يخضع للسنن بينما عالم الأمر لا يخضع لها.
وذكر سماحته أن خلق حالة من التوازن بين الدنيا والآخرة لدى المؤمن، وتجاوز ضغوطات الحياة, خصوصاً إذا تعرّض لها بصورة مباشرة, سواء كان سجيناً, أو مطارداً, أو محاصراً من الناحية الاقتصادية؛ يتطلب من الإنسان المؤمن أن يستحضر ساعات الآخرة ويعيش أجوائها ليعلم أن ما فيها أعظم مما يحيط به الآن، وعليه أيضاً أن يتذكّر ربه, ويتذكر نعمه وأسمائه, عند ذلك لا تصيب المؤمن حالة من الملل أو الكلل أو الضعف لأن الله هو الأكبر.
كيف نواجه الكفار؟!
سماحته نبّه أيضاً في تفسير قوله تعالى: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) إلى أهمية استحضار حالات ومواقف الآخرة والدعاء الخالص لله لمواجهة الكافرين، مبيناً ذلك بالقول: “بعد أن أكد ربنا ضرورة مواجه الكفّار في الآية الرابعة من السورة المباركة في قوله تعالى: (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد) ومرة أخرى وبأسلوب مختلف في الآية الربعة عشر حيث قال تعالى: (فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) ولكي نتحدّى الكافرين الذين قد يكونون الأقوى عدّةً والأكثر عدداً، والظاهرين في الأرض، بينما قد يكون المؤمن شخصاً واحداً أو أشخاص معدودين، وهنا لإحداث حالة التوازن في مثل هذه الحالات ينبغي أن نتوجه إلى الآخرة, والى الله سبحانه وتعالى, وأن ندعوه ليلاً ونهاراً بأن يملأ قلوبنا شوقاً إليه وخوفاً منه وتذكرةً به”.
أما في تفسير قوله تعالى: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ) فأوضح سماحة المرجع المدرسي أن هناك تفسيران: الأول هو أن الله رفيع لأن أسماء ربنا الحسنى لا نهايات لها، فعلمه بلا نهاية, وقدرته بلا نهاية, فعّالٌ لما يريد, يعلم بما هو كائن أو يكون، أما التفسير الثاني فيقول أن الله تبارك وتعالى يمنح للمؤمنين رجات رفيعة ولا حدود لها, وعلى المؤمن الحقيقي أن يتطلع للوصول إلى أعلى تلك الدرجات في القمم, بإرادته والعمل المتواصل.
فيما أشار سماحة المرجع المدرسي في بيان قوله تعالى: (ذُو الْعَرْشِ) إلى أن الله ذو القوة الأساسية التي تهيمن على كل شيء في كل مكان, على أرضنا وشمسنا ومنظومتها ومجرتنا, وكل ما هو كائن أو يكون فمركز هذه القوة وهو العرش، والأهم من معرفة شكل وحجم هذا العرش والمركز لقيادة الكون؛ هو أنه بيد الله العادل.
وفي الحديث عن مشيئة الله في اصطفاء الأنبياء عليهم السلام بيّن سماحته في تفسير قوله: (عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) أن هنا من يتصورون أن النبوة هي تطور طبيعي عند الإنسان, أي أنه بعد أن يتدرج في الدراسة والبحث العميق يصل إلى مرحلة النبوة، مؤكداً أن النبوة جعلٌ إلهي مباشر ومتصل بعالم الأمر وليس بعالم الخلق الخاضع للسنن.