
المرجع المدرسي لطلبة البحث الخارج: الإخلاص الحقيقي في تحدي حكام الجوّر وضغوطات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية
05 Jun 2023قال سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي، دام ظله، إن الإخلاص الحقيقي للمؤمن والداعية إلى الله يظهر عندما يكون في المجتمع وسط ضغوطات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثبات على الإيمان، مشيراً إلى أن الإخلاص في الظروف الصعبة يجلي أمام المؤمن الرؤيا ويخرجه من سجن الغفلة ويصبح عبداً منيباً يرى تجليات ربه واضحة.
جاء ذلك خلال درس التفسير اليومي في سورة غافر الذي يلقيه بحضور جمع من العلماء وطلبة البحث الخارج في مكتبه بمدينة كربلاء المقدسة.
وأكد سماحته أن هناك أكثر من مواقف يتجلى الله للإنسان من خلاله و يريه نفسه, ففي عالم الذر تجلى لخلقه كتجلي الشمس للأرض عبر ضيائها وحرارتها, ويتجلى أيضاً من خلال الكوارث والفزع واللحظات الصعبة التي يمر بها الإنسان وتدفعه للتضرّع إلى الله فينسى ما أشرك به، مبيناً أن الله سبحانه وتعالى ليس بخفياً على الإنسان ولكن ضعف بصيرته وعدم استقباله لتجليات الرب هو من يحول بين الإنسان ورؤية ربه.
وذكر سماحة المرجع المدرسي أن على المؤمن أن يعلو بهمته وإيمانه وبصيرته النافذة ليتحدى الغفلة ويصل إلى ربه فيخرج من دار الغفلة إلى سعة رحمة الله و رحابه، منوهاً إلى أن الغفلة هي من يحول بين العبد وربه فيصعب عليه رؤية تجليات الخالق.
وأشار سماحته إلى أن الغفلة هي نوع من أنواع الامتحان الذي يمر به العبد لكي ينال رحمة جديدة من الله تبارك وتعالى ويجنبه الوقع في الكبائر.
وفي تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ) قال سماحته: “الرؤيا في الآية المباركة يبدو لي ليست بالظاهرة, وإنما المراد منها الرؤيا العرفانية التي من خلالها يدرك الإنسان ربه بعد أن يتدبر في آيات الخلق, ويعرف أن الهدى والرزق وكل شيء هو من الله وحده”.
فيما تابع سماحته متسائلاً: “لماذا قال الله تعالى في الآية الكريمة (وينزل من السماء رزقاً) ولم يقل ينزل لكم من السماء والأرض الرزق من النعم والرحمة والطعام والشراب؟”.
ويمضي سماحته مجيباً عن هذا التساؤل قائلاً: “إن أصل نعم الأرض من السماء, بدليل قوله تعالى (وفي السماء رزقكم) وكذلك الدراسات الحديثة التي بينت اليوم أن قسم كبير من خيرات الأرض مصدرها السماء -كالمياه مثلا-“.
وفي بيّان الرزق في الآية أوضح سماحة المرجع المدرسي أن الرزق هو ما يحتاجه البشر من ضروريات العيش التي من دونها لا يستطيع أن يكمل حياته، فيعطي الله بقدر ما يحتاجونه.
وعن قوله تعالى: “وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ” بيّن سماحته أن الآيات العظمى التي يريها الله للخلق لا يتعقلها ولا يتفهمها إلا من أناب إلى الله وتاب إليه ودعاه.
أما في بيّان مفردة (ينيب) في الآية الكريمة؛ قال سماحته: “إن تفسير معنى (منيب) يتضح لنا في سياق الآية اللاحقة التي تقول (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) والتي تعني أن يدعو الإنسان ربه مخلصاً له دون أن يشرك الرياء أو أي شائبة شرك في دعائه وكذلك أي عمل آخر يمكن التقرب من خلاله إلى الله”، لافتاً إلى إخلاص العبد لله في أحكام دينه؛ يعني أن يتحدى الطغاة والجبارة من الحكام الذين يجعلون أسمهم مع اسم الله، فلا ينطق إلا باسم الله وحده.