تدبرات في سورة (الحديد) شهر رمضان المبارك / 1439 هـ – (السابع عشر)

بسم الله الرحمن الرحيم

[الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ  وَ مَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنىِ‏ُّ الحْمِيدُ]

صدق الله العلي العظيم

(سورة الحديد المباركة)

يأمرون الناس بالبُخل

هل إنّ البُخل من طبيعة البشر أم لا؟ وما هو منشئه؟

قد يكون الإنسان انطوائياً يُفكّر في ذاته فقط, ويدور حول محور نفسه, وعادة ما يكون ذلك توأماً مع الجهل, و ينشئ منه البُخل, الذي يُنتج بدوره الكثير من الأمراض والآفات, فهو زمام يقود الى كلّ سوء.

يقول تعالى: [وَيُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ][1]

إذن النفس بمثابة سجن للإنسان, من يستطيع أن يخرج منها فإنّه يتخلّص من البُخل.

والسبب الثاني للبُخل هو سوء الظنّ بالله تعالى كما جاء في الحديث الشريف عن الامام امير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «الجبن و الحرص و البخل‏ غرائز سوء يجمعها سوء الظن بالله‏»[2]

و لكن إذا نتأملّ في واقعنا سنجد أنّ الرب تعالى هو  المدّبر لحياتنا, وإذا ما شككنا في ذلك فلنراجع الماضي وكم أنعم الرب علينا و أنجانا من منعطفات خطيرة.

السؤال عن قوله تعالى: [الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ]

لماذا يأمر بالبخيل بالبُخل؟

من يحمل صفة ذميمة يُحبّ أن تشيع الصفة في غيره, هذا من جهة ومن جهة ثانية يُحبّذ البخيل وجود الطبقّية في المجتمع ولذلك يأمر بالبُخل, والدليل الثالث هو أنّ بعض البُخلاء هم من المنافقين الذين يُحاولون منع وصول المال الى القيادة الربّانية كما يقول ربّنا تعالى: [هُمُ الَّذينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى‏ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا].[3]

والأمر بالبُخل صدُّ عن سبيل الله وهو من الكبائر, ومن هنا جاء في الحديث الشريف: «البخيل‏ بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار»[4]

والكثير من الروايات التي تُحذّرنا من البخل والاقتراب من البخيل حيث جاء في الحديث: «النظر إلى‏ البخيل‏ يقسي القلب‏»[5]

[وَ مَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنىِ‏ُّ الحْمِيدُ]

فِعل الخيرات لا يتوقّف على أشخاص, وقد أعطى الله للأغنياء وجعلهم وكلاء لينفقوا على الفقراء, ولكنّهم إن أبو, يُجري الله تعالى الخير عن غير طريق.

علاقة البُخل بالقسط

كما قُلنا فيما سبق أنّ أحد أبعاد سورة الحديد المُباركة هو اقامة القسط, لكن السؤال ما هي العلاقة بين القسط وبين البخل؟ الجواب على ذلك أنّ تحقيق العدالة ليس فقط من مسؤوليات الحكومة, إذا كانت الأمّة متكاتفة و يسود فيها الإنفاق, فإنّها يسود فيها القسط حتّى لو لم تكن الحكومة تقوم بذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سورة الحشر, الآية9.

[2] غرر الحكم و درر الكلم، ص: 98

[3] سورة المنافقون, الآية 7.

[4] بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج‏68، ص: 355

[5] تحف العقول، النص، ص: 214