Search Website

تدبرات في سورة (الحديد) شهر رمضان المبارك / 1439 هـ – (الثامن عشر)

تدبرات في سورة (الحديد) شهر رمضان المبارك / 1439 هـ – (الثامن عشر)

بسم الله الرحمن الرحيم

[لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَ أَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَ الْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ  وَ أَنزَلْنَا الحْدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنَفِعُ لِلنَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيْبِ  إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ]

صدق الله العلي العظيم

(سورة الحديد المباركة)

ليقوم الناس بالقسط

بالرغم من أنّ كلّ الآيات القرآنية تحمل افكاراً مُتنوّعة الّا أننّا حين نتدبّر في هذه الآية المُباركة نجدها تحمل في طيّاتها الكثير من البصائر نُبيّن بعضها:

اولاً: القيم الالهية التي تُمثّل أهداف الدين والرسالات الالهية لها تسلسل هرمي, رأسه الايمان بالله المُتعال يليه الإيمان بالحق ثم العدل ثمّ الإيمان بالقسط ثم العمل بالأحكام الشرعية, والحقوق الشرعية التي بيّنها امامنا زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق.

والأنبياء قاموا بتربية الأمّة الاسلامية على أساس هذا الهرم ومن ضمنه تحقيق العدالة, فلا يُمكن تحقيق العدالة في أمّة لم تصل الى الرُشد, فمن يراعي الحقوق التي على عاتقه ويفهم أنّ لكلّ شيء حساب وميزان يُمكنه تحقيق العدالة.

وهكذا فهمنا للنظام الذي أجراه الرب تعالى في الخليقة يدفعنا الى أن نوفّق أنفسنا معه, فنراعي تحقيق العدالة يقول تعالى: [أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَ أَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَ الْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ] و إقامة الشي‏ء تنفيذه على أصلح وجه.

جاء الأنبياء بالبيّنات ليذكّروهم منسيّ نعمته ويستأدوهم ميثاق فطرته ويثيروا لهم دفائن العقول, بعد ذلك لابدّ من وجود دستور تسير عليه الأمّة وهو قوله تعالى: [وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ].

فاذا كانت البيّنات تؤمّن القناعات الاوّلية فانّ الكتاب يؤمّن النظام العملي الشامل المنطلق من الايمان، و الذي يستهدف تكريسه بعمق في النفوس و الواقع، و القيام بالقسط- هذا الهدف العظيم- إنّما يستمد شرعيّته و شرعته منه.

بعد ذلك نحن بحاجة الى الميزان الذي يُمثّل الجانب العملي و ويُميّز بين الحق والباطل, وهو الذي يتمثّل بالنبي صلّى الله عليه وآله و أوصياءه المعصومين عليهم السلام, وبالخصوص امامنا أمير المؤمنين عليه السلام حيث أنّه ميزان الأعمال.

و بالرغم من مسؤولية الحكومات عن تحقيق ذلك الّا أنّ المسؤولية تقع على عاتق الناس جميعاً حيث يقول ربّنا: [لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ].

الامام علي (ع) صوت العدالة

حين نراجع سيرة امامنا أمير المؤمنين عليه السلام نفطن أنّه لو أنّنا نجد في الأرض من عدالة أو قِسط, أو مساعدة محروم, أو دفاع عن مظلوم, فكلّ ذلك لوجود امامنا أمير المؤمنين عليه السلام, فهو القائل: «و الله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته»‏[1]

وهو القائل: «والله لقد رأيت عقيلا و قد أملق حتى استماحني من بركم صاعا و رأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم و عاودني مؤكدا و كرر علي القول مرددا فأصغيت إليه سمعي فظن أني أبيعه ديني و أتبع قياده مفارقا طريقتي فأحميت‏ له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها فضج ضجيج ذي دنف من ألمها و كاد أن يحترق من ميسمها ثكلتك الثواكل يا عقيل أ تئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه و تجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه‏ أ تئن من الأذى و لا أئن من لظى‏»[2]

وإذا وجدنا في المجتمعات أثراً للعدالة فلنعلم أنّ ذلك بفضل أمير المؤمنين عليه السلام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص: 347

[2] نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص: 347