
اسباب التمزق وعوامل الوحدة والحاجة الى الاصلاح
05 Jun 2023بسم الله الرحمن الرحيم
[طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ]
صدق الله العلي العظيم
من الركائز الاساسية التي يعتمد عليها الطغاة، تمزيق الناس، لأن الاهداف الصغيرة يمكن ان يحققها كل فرد، ولكن اذا تسامت وتكاملت وتعاظمت الاهداف فأنها تحتاج الى ارادة وقوة جمعية متحدة متكاتفة حتى تحقق تلك الأهداف ولذلك يسعى الطغاة لتمزيق التجمعات وتحويل الناس الى رذاذ والشعوب الى طوائف و مذاهب واحزاب وتكتلات مختلفة. وهنا يأتي السؤال: ماذا على الشعوب؟ وما هي مسؤولية الناس في مواجهة هذا النوع من التحدي، تحدي الطغاة الذين بأيديهم سكاكين حادة من الاعلام الفاسد، من الخبراء الماكرين، من اشباه العلماء، من أنصاف المثقفين، من كهنة السلاطين، و ابواق الشياطين، حيث يستخدمون كل ذلك بالإضافة الى القوة القمعية في سبيل تمزيق الناس، وهذا ما يفعله الطغاة وفعله الطغاة عبر التاريخ ولا يزالون.فماذا يصنع الناس في مواجهة هذا النوع من التحدي؟
نختصر الاجابة على ذلك بـ:
أولاً: لابد أن نعرف ان ما يجمع الناس ويوحدهم ويحولهم الى كتل ثورية صلبة، وحسب تعبير القران الى [بنيان مرصوص] يجعلهم قادرين على مقاومة الطغاة، هي عوامل عوامل الوحدة. ولو ان شعب من الشعوب عرف هذه العوامل بدقة وانتبه اليها وتمسك بها فان كل السكاكين الحادة الماكرة التي كانت الطغاة تستخدمها، تتبدد كلها،وفي حال لم ينتبه الشعب الى هذه العوامل ولم يهتم بها فأنه يتلاشى. وقبل الحديث عن هذه العوامل،نمهد لذلك بنقطتين أساسيتين:
الاولى: انكم يا شعب العراق اشد الشعوب تعرضا لهذا الخطر، خطر التمزق، وهو لم يكن وليدة يوم عابر، انما قامت بنسجه والعمل عليه اجهزة ماكرة شيطانية و لفترة طويلة.. فقد عملوا على تمزيق العشائر وتفتيت الحوزات وحاربوا التكتلات والتنظيمات.. وهكذا وصل الخوف بهم من التكتلات والمنظمات والأحزاب و الهيئات الى درجة اصدارهم قانون عجيب وجائر يقول أن كل من ينتمي الى حزب او تكتل ليس منهم حكمه الاعدام!!. وكرسوا هذا القانون واعدموا كبار العلماء وخيرة الشباب بتهمة الانتماء الى هذا الحزب او ذاك التجمع، فقط بمجرد التهمة والظنة. هذا التمزيق للمجتمع ومحاولة تحويله الى رذاذ، تعرض له الشعب العراقي.. وهنا ننوه ونسأل: هل أن من يقع من مكان مرتفع وتـُكسر يده او رجله يتتشافى ويتعافى من كسره مباشرة في اليوم التالي؟! والجواب واضح، وهكذا يكون حال ووضع شعب بكامله تعرض لفترة طويلة لمثل هذا التمزيق والتفريق والقمع والأفكار الفاسدة المسفدة، فلا يمكن اصلاح ما افسده ذلك النظام الطاغي بين عشية وضحاها. لذا يجب ان ينتبه هذا الشعب الى ما تعرض له، ينتبه الى أن ما يجري اليوم من خلافات وصراعات وتحديات هي امتداد لذلك النظام ومن يريدوا ان يعيدوا ذلك النظام والحكم بنفس الاسلوب وللناس أن يعيشوا بذلك الارهاب والسجون والمعتقلات وأحكام الإعدام..
ثانياً: الآية القرآنية التي توجنا بها الحديث هي طليعة سورة القصص وهي سورة تشير الى مسيرة الصراع بين الطغاة وبين الرساليين المؤيدين من قبل الله تعالى، بين فرعون وموسى، وهنا ادعو نفسي وجميع الاخوة والأخوات الى الاهتمام بالسور القرآنية، تدبروا فيها بروية وعمق، لأن فيها عبر وبصائر وحِكَم و رؤى عظيمة. ففي طليعة هذه السورة المباركة يحدثنا ربنا تعالى عن نبأ موسى وفرعون وكيف أن فرعون”علا في الارض” وذلك في الحقيقة يكون عادة بعد أن يقفز الطاغي في لحظة من غيبة وغفلة العاملين، من سبات الناس، ويصبح على رأس وهرم السلطة والقيادة فيما الناس غافلين ويسمحون له بذلك ولا يقفون أمامه. واذا به بعد ذلك يقوم بالتحكم بحياة ومصائر الناس ويمزقهم ويفسد في الارض، ويفسد الضمائر والفكر والمجتمع، كما هو حال فرعون الذي تتحدث عنه الآيات بالقول: [وجعل اهلها شيـَعا يستضعف طائفة منهم يذبح ابنائهم ويستحيي نسائهم انه كان من المفسدين].
بعد هاتين النقطتين، نعود للحديث عن عوامل الوحدة التي يجب أن نعرفها ونتمسك بها لكي نواجه محاولات التفريق والتمزيق، وهي عدة عوامل نشير فيما يلي الى بعضها كالتالي:
أولا: الطريق والبرنامج الواحد الذي يوصل الجمع الى الهدف الذي يبتغونه. فما هو برنامجنا نحن المسلمين. بالتأكيد أن برنامجنا القرآن، فهو هدى و بصيرة وضياء، ولو أن المسلمين يقرأون القرأن بتدبر ويحاولون تطبيق اياته الكريمة في حياتهم ويجعلونه خارطة الطريق لمسالكهم فإنه سوف يوحدهم و يجمعهم، فنحن المسلمين علينا ان نهتم جدا بتحويل القران الى منهج وخريطة عمل وعكسه في واقع حياتنا سلوكنا ونطبق آياته في كل قضية، وذلك مما يوحدنا.
ثانياً : الحب والولاء، فحينما تحب احدا ً وانا احبه، فنحن نتوحد بالحب والولاء، ونحن المسلمون توحدنا ولاية النبي محمد (ص) وأهل بيته الطيبين الطاهرين(ع)، بعضهم يقولون ماهو الداعي الى هذه المحافل والزينة في ايام ولادة النبي (ص) او الزهراء(ع) او امير المؤمنين(ع) وسائر اهل البيت ؟! او يقول ما هذه الزيارات التي تأتون بها مشيا الى كربلاء في ايام زيارة الأربعين؟ ونقول لهم هذه حياتنا ووحدتنا، لإن راية الامام الحسين(ع) كما جده وأمه وأبيه وبنيه، توحدنا، و نحن نقف عند قبره الشريف سلام الله عليه ونقول له من كل قلوبنا: اني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم موال لمن والاكم معاد لمن عاداكم، هذا مما يوحدنا، وكلما تواصل الناس مع اهل البيت (ع) تواصل الناس مع من يحبونهم من الصديقين والائمة الطاهرين، كلما توحدوا ولذلك تأتي الروايات، ومنها على سبيل المثال تلك التي تقول لك أن الصلوات على محمد وال محمد مما ينتزع النفاق من قلوب، لماذا؟ لأننا كلنا حين نتوجه الى النبي (ص) واهل بيته(ع) يعني ذلك خروجنا من حالة الفردية و الحزبية والأنانيات والمحسوبيات وتوجهنا الى خط واحد، وبذلك فإن الحب والولاء يوحدنا.
ثالثاً: مما يوحدنا محاربة الصفات الرذيلة. فالقران الكريم يربينا ويرفعنا الى مستوى رفيع، فآياته التي تُحرّم وتنهى مثلاً عن الغيبة وسوء الظن و السخرية، فرد من فرد او قوم من قوم، تعني أن القران الكريم يوجهنا بأن لا يفضل احدنا نفسه على الاخرين ويتعالى عليهم.. ومن المعضلات هنا مثلا أنه في مورد الغيبة والسخرية والتعالي قد يتعدى ذلك حدود الفرد تجاه فرد آخر ليصل الى حالة جماعية تطال حزبا وتكتلا او بلدا او قوما او تجمعا اومنطقة بأكملها !. لذا فأن القرآن الكريم وتعاليم الاسلام وكلمات النبي وأهل بيته (ص)، كل ذلك يخلق فينا ارضية التعاون، فحينما تكون القلوب صافية من الغل ومن اي شيء سلبي تجاه الاخر، من حقد وضغينة وعصبية وسوء ظن، وما شابه، فأن ذلك يكون مدعاة وحافزا وأرضية للتعاون ووحدة الناس والمجتمع.. فالقلب المليء بالأحقاد والحسد لايعيش صاحبه براحة أبدا ولذا فمن واجبنا ان نعمم الخلق الفاضل، نزكي انفسنا والمجتمع المجتمع فإذا اصبحت القلوب صافية تعاونت الايادي وتوحدت.. فنحن لا نتعاون إلاّ حينما نحب بعضنا بعضا ولا يكون في قلوبنا غل تجاه الاخر. وأنني لإعجب من بعض الجهات اللي تدّعي التوجهات الدينية كيف أن هؤلاء يبثون الضغائن والاحقاد تجاه الاخرين. وهذا في الحقيقة ليس حراما فقط، بل نحس و شؤوم، فالذي يذم وينتقص ويحرض و يتكلم دائما على الناس ويعيبهم، تكون حياته نحسة مشئومة ولا يعيش عيشة سعيدة ولايتوفق الى عمل الخير. بل أن كثير من الناس يحرمون من العبادات و المستحبات وحتى من الواجبات بسبب ذنوبهم، ومنها تلك الذنوب التي يستصغرها ويحقرها مرتكبها و يستهين بها. اذن يجب ان نصفي القلوب، المجتمع، من كل هذه المسائل ومن شؤم هذه الاخلاق السيئة، ولابد أن نحذر ونعرف أن من اسباب وموجبات عقاب هذه الاخلاق السيئة حكومة الظالمين، كما يقول ربنا تعالى: [وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون].. فحينما تقوم أنت بظلم اخيك وهو يظلم ابن عمك، وهذا يظلم جاره، فيدخل المجتمع في حلقة من الظلم المتبادل، هنالك يعم الشؤم وقد يسلط الله عليه ظالم اكبر وأشرس من الجميع.
رابعاً: نحن بحاجة للمصلحين في الأرض الذين ينزلون دائما الى ساحة المجتمع للإصلاح بين الناس، وفي هذا المورد يجب أن نضع نضع دوما نصب اعيينا الحديث الشريف الذي يستحق ان يكتب في لافتة ويضعه كل منا في اقرب مكان يراه يوميا، والذي يقول أن: “اصلاح ذات البين افضل من عامة الصلاة والصيام”، و اصلاح ذات البين هنا لا يعني فقط الدخول مصلحا بين أثنين من الناس شجر بينهم خلاف بسبب الشيطان، فنحن نحتاج الى عملية الاصلاح في المجتمع بدءً من الخلافات بين أثنين الى الخلافات بين الكتل والجماعات، يجب ان تكون هناك جهات ايضا وذوي بصائر وحكمة،بمستوى الكتل والجماعات الكبيرة، تنزل الى الميدان وتمارس دور الإصلاح وهنا اشير الى الوضع في العراق فنحن نحتاج الى رجال من النوع المتميز يأتون ويدخلون على الخط ويصلحون الامور والأوضاع في البلاد، ولعلك بعض الاحيان تجد أن الاصلاح والوفاق في بعض الظروف والأزمات شيء مستحيل أن يحدث بين هذه الكتلة وتلك وهذه الجماعة وتلك، وهذه نظرة سلبية غير صحيحة، لأن من يتوكل على الله ويثق به ويتجه للإصلاح بنية خالصة وإرادة صادقة وقوية، يؤيده الله تعالى ويوفقه ويجد فرصة مناسبة ومتاحة له، فمن يريد اصلاحا يوفقه الله لذلك. لذا فنحن نحتاج الى رجال تكون مهمتهم الاساس اصلاح ذات البين والجمع لمصلحة الكل، ومع أن اوضاع البلد تشير أحيانا الى أننا قريبين من الحافة، إلا اننا لسنا متشائمين، ونأمل في مبادرات ومحاولات أهل الشيم والأيمان والإصلاح بأن يقوموا بالدور المطلوب لمنع الوقوع من الحافة لأن الخروج بعدها من الهاوية بالتأكيد ليس بالأمر السهل.