
الصحوة في الأمة.. إسلام محمد (ص) والقرآن أم إسلام السلاطين والتجبر على الناس
05 Jun 2023الصحوة في الأمة.. إسلام محمد (ص) والقرآن أم إسلام السلاطين والتجبر على الناس
بين الدين الحقيقي والدين المزيف: الوحي والعقل ومعرفة الواقع مقابل الاهواء والجهل والانتقائية
بسم الله الرحمن الرحيم
[يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ]ٍ (المائدة 16 ـ 17).
صدق الله العلي العظيم
الصحوة الاسلامية الى أين؟ لقد ارتقبها الكثيرون وتمنوا أن تكون باكورة انطلاقة حضارية وانبعاث ديني ووحدة في اطار الامة الاسلامية، ولكنها اليوم ـ للاسف الشديد ـ تواجه صعوبات وتحديات، فلماذا؟ وما هو الحل؟
مصر كنانة الاسلام، هذه الدولة العربية الكبرى والدولة الافريقية المهمة، ارتبط تاريخها بالتحديات الكبرى في تاريخ المسلمين، كالحروب الصليبية مثلاً، فهي التي تحملت اعباء هذه الحروب عقودا متتالية من الزمان، كما انها تصدت للإعصار التتري وعلى صخورها تكسرت أمواج الزحف التتري على البلاد الاسلامية وارتدت على ادبارها، مصر هذه تعيش اليوم مخاضا. لماذا وماهي الرؤية القرانية تجاه ما جرى ويجري هناك؟
معضلة الأنتقائية
قبل أن نجيب عن هذه التساؤلات الخطيرة والأساسية دعونا نتدبر قليلاً في الآيات القرانية التي توجنا الحديث بها، فربنا تعالى يخاطب فيها أهل الكتاب، وحديث القران حديث رفيع المستوى لا يمكن أن يستفيد منه إلا من أوتي حظاً من العلم والمعرفة والثقافة، أما سائر الناس فلعلهم لا يستفيدون من الإشارات والبصائر القرآنية تلك الإستفادة الكافية، ونفهم من الآيتين المباركتين أن أهل الكتاب ـ الذين حُمّلوا أمانته و رسالته و الشهادة عليه ـ كانوا ينتقون بعضاً مما في الكتاب حسب مصالحهم أو أهوائهم أو آرائهم، يبثونه في الناس ويؤكدون عليه ولكن البعض الآخر من الكتاب والذي كان يخالف أهوائهم فكانوا يخفونه، ولا شك أن هذه الانتقائية كارثة، فهي تماماً كمن يركب جزء من أدوات العربة أو الطائرة التي يريد أن يركبها ويترك جزءا آخر، فلا يمكنها بالتالي أن تتحرك.
وهكذا الأمة لا يمكن ولا تستطيع مثلاً أن تحلق وتتحرك وتسير بفعالية وتكاملية ببعض الأفكار فقط، بالصيام دون الزكاة، أو الصيام والزكاة دون الصلاة، أو الصيام والزكاة والصلاة دون الولاية، وبالثقافة دون العمل او العكس.
فالأمة كيان عظيم بحاجة الى كل الأبعاد، أما أن يكون هناك فئة أو شخص لديه أفكار معينة ويفسر التاريخ بهواه وحسب رأيه وثم يريد أن يصوغ الأمة وفق مشتهياته أو مشتهيات حزبه وجماعته، فهذه في الحقيقة كارثة، وهذا ما أبتليت به الأمم في أكثر من حقبة تاريخية، ولكن الله تعالى رحمة بالعباد بعث رسولاً يعيد الرسالة الى نصابها، يبين كل ما في الرسالة.
ثم ربنا تعالى رحمة بالعباد خفف أيضا من الرسالة بإعتبار أن الشريعة الإسلامية هي الشريعة الخاتمة ولابد أن تكون هذه الشريعة خالدة وبالتالي واقعية ولذلك جعلها ربنا تعالى شريعة سمحاء، خفف فيها على هذه الأمة الكثير مما أوجبه على الأمم السابقة وقال تعالى: [ويعفو عن كثير]. لكن المهم في هذا الكتاب أنه نور [قد جائكم من الله نور]. ينير الطريق، يضيء العقول و يشحذ العزائم و يوضح للناس ما خفي عنهم من حقائق الخلق. [وكتاب مبين] بمعنى دستور متكامل من جميع الجهات، ولنتدبر في هذه الكلمة الربانية: [يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلامٍ]. فاذا كنت أنت كشخص، أو كمجتمع أو كأمة أو أي جماعة ابتغوا واتبعوا رضوان الله وليس أشباع مصالحهم وحزبياتهم وأفكارهم الخاصة، فإن ربنا يهديهم الى سبل السلام، الوصول الى الأهداف و تحقيق التطلعات لكن عبر وسائل آمنة، وليس عبر الحروب والصراعات والمشاكل. ثم يقول تعالى: [ويخرجهم من الظلمات الى النور]، من ظلمات وساوس الشيطان، من ظلمات الجهل والعصبية والحمية والشهوات، الى نور الإيمان، نور يهيمن على حياة الانسان ويجعله يستنير به في كل أبعاد حياته.
الرسالات وثلاثية الأبعاد: الوحي والعقل ومعرفة الواقع
الصحوة في الحقيقة كانت ولا تزال بحاجة الى الثقافة والبصائر الإسلامية و إلى فهم صحيح للإسلام، الإسلام ثلاثي الأبعاد، وليس الإسلام وحده وإنما كل الرسالات الإلهية تقوم على ثلاث قواعد أساسية، أولاً: قاعدة الوحي، سواء في التوراة أو الإنجيل أو الزبور أو أي كتاب سماوي آخر والقران الكريم هو المهيمن على سائر الكتب.
و أهم غاية مثلى حققها الوحي وبعثة الأنبياء في الإنسانية هو بعث وإثارة عقل الإنسان، إيقاظ ضمير الإنسان وإستنهاض فطرته واستثارة ركائز المعرفة فيه وشحذ عزائمه، وذلك من أهم وأعظم غايات الوحي وبعثة الأنبياء، أن يتم ايقاظ الانسان في الانسان.
الإنسان الذي حين خلقه الله قال: [فتبارك الله أحسن الخالقين] فكل هذا الخلق في الحقيقة قيم مثلى، وهذا الإنسان كان قد غفى في داخل الإنسان، تراكمت على قلبه الاساطير، الوساوس والشهوات، الجهل والعصبيات، فربنا تعالى أرسل النبي (ص) وأنزل الكتاب حتى يوقظ هذا الانسان، ولذلك فالركيزة الثانية بعد الوحي هي العقل الذي يوقظه الوحي وينميه ويبلوره، ثم هذا العقل وهذا الوحي الذان هما نور على نور، شعاعان من مصباح الرب يلتقيان في قلب الانسان، و بعدما يتكاملان تأتي الركيزة الثالثة وهي: معرفة الواقع، لأن الاحكام الشرعية إنما تطبق على الموضوعات الخارجية، فالحكم الشرعي ليس هلاميا يسبح في الفضاء إنما هو يطبق على الواقع.
وفي كثير من الأحيان لا يعرف الناس كيف يطبقون الاحكام الشرعية، لا يعرفون الواقع، فهم بفهمهم الخاطىء و معرفتهم المنقوصة أو المنحرفة، يتعرضون في الواقع للأفكار الجاهلية، بحيث ترى أحدهم يقتل المسلم ويعتبره كافراً!؟ كهؤلاء الذين قاموا في منطقة أبو مسلّم قرب العاصمة المصرية القاهرة بالهجوم الوحشي على ذلك المنزل وأشعلوا النار فيه وقتلوا ببشاعة عالم دين كبير هو العلامة الشيخ حسن شحاتة وأخوته و سحلوه في الشوارع بالحبال.
فهولاء القتلة ليسوا أهل معرفة وفهم وعقل بل مجموعة غوغاء فسقة، وعملاء البترودولار أثاروا زوبعة في الغوغاء، و هذه حقيقة مشكلتهم، لأننا بعد العقل والوحي وهما حقيقة واحدة، نحن بحاجة الى معرفة الواقع، ولذلك يقول تعالى: [يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين]، وفعلاً البعض منهم ندم بعد فوات الأوآن، كما ندم بعض أهل الكوفة بعد قتل الامام الحسين عليه السلام.
إسلام محمد (ص) والقرآن أم أسلام ابو سفيان ومعاوية؟
قد ترى بعض الناس يدعي الانتماء للدين وبمجرد أنه يؤدي قشريا بعض “مظاهر” الدين، يزعم معرفة الشرع وأحكامه وإذا به يكفّر الناس ويستحل دمائهم وأعراضهم وحرماتهم!..
وهكذا باتت المشكلة الكبرى التي حدثت في مصر وليبيا سوريا وربما تحدث هنا وهناك أيضاً، أن مجموعة يدّعون الدين ثم يكفرون الناس ويجيزون لأنفسهم أن يقتلوا ويذبحوا ويعتدوا على أعراض الناس ويهدموا البيوت ويخربون البلاد.. ويفعلوا كل شي من السيئات والجرائم بإسم الدين!؟.. هذه النقطة في الحقيقة هي مقتل الحركة والصحوة الاسلامية، أنّ تكون هناك مجموعة يعتبرون أنفسهم متدينين وهم يكفّرون الآخرين، وينزلون الشارع و يبدؤون بتقسيم الناس، كأن احدهم هو قسيم الجنة و النار!.. هذا في الحقيقة هو المقتل، لإن الركيزة الثالثة في فهم الحقائق و معرفة الواقع معرفة حقيقة، هي تطبيق الأحكام الشرعية تطبيقا صحيحاً على الواقع، لا أن يطبق الحكم الشرعي حسب هواه، وهذه نقطة غاية في الأهمية. ولذا فإن الأمة اصيبت ببلاء عظيم وهو وجود أمثال بعض الجماعات والاحزاب والتيارات التي تتمسح بالاسلام بينما تقول وتمارس ما لا يمت للسلام بصلة! فأي اسلام يمثل ذلك الجاهل المتعصب الذي وقف أمام الناس وبحضور رئيس مصر ليقول أن المسلمين الشيعة “انجاس وارجاس”؟!، أهذا هو اسلام نبي الرحمة محمد (ص)؟! أهذا اسلام القران؟! أم هذا اسلام ابو سفيان و معاوية ويزيد..؟.
إن من المشاكل الحساسة التي ابتليت الأمة بها طوال التاريخ، وابتليت بها بعض ما يسمى بالحركات الإسلامية، أنهم بالتعنت والجهل نصبوا انفسهم حكاما و أوصياء على الناس. اذا كنتم تريدون الصحوة الاسلامية ارجعوا إلى الإسلام الحق، الى القران الكريم، الى كلمات النبي (ص) الصحيحة، وبفهم صحيح ليس منحرف ينطلق من الأهواء والجهل. ليس باختراع مجموعة روايات سقيمة ذبحت و تذبح المسلمين، أمثال روايات سمرة بن جندب وغيره من الذين فجروا الصراعات والخلافات بين المسلمين وكفّروا الناس، إضربوا هذه الروايات عرض الحائط، فالرسول (ص) أمر بأن تضربوا بهكذا روايات تخالف القران الكريم عرض الحائط، فالذي جاء بها الشيطان واهواء شياطين الأنس، وهكذا أيضا نرى أن هناك مشكلة ومعضلة نعاني وتعاني منها الأمة، وهي أن بعض الناس تنقصه الحيلة للوصول الى ما يريد، فقد يريد أن يصبح قائداً وزعيما، فتراه يستخدم الإسلام والدين ويجعله مطية ووسيلة للوصول إلى أهدافه، حتى إذا ما وصل إلى مبتغاه لا ترى بعدها منه ديناً وإسلاماً!؟..
إن الاسلام الذي ندعو إليه هو إسلام العلم والكرامة والحرية والوعي والتقدم والصدق وكل القيم الربانية العظيمة، إسلام الإنسان، لا إسلام الأهواء من جماعة ما أو شخص ما لديه أفكار وقوالب ذهنية مسبقة ويريد أن يطبقها على الناس، لإننا عندها نصير إلى هكذا نتائج سيئة كما حدث ويحدث في مصر و سوريا وغيرها من البلاد.. هذا ليس إسلام، ليس دين الله، هذا طريق الشياطين.
ارجعوا الى دين الله، دين الحرية والكرامة لكل إنسان، فربنا بصريح العبارة يقول في القران: [لا اكراه في الدين] فكيف تريد أنت بما تحمل من أهواء وفهم خاطىء أن تتسلط على الناس بإسم الدين؟!.. كيف تزور الانتخابات وتزور التاريخ وتدخل الساحة، ثم تجر على الأمة بل وعلى الدين هكذا نتائج غاية في السوء.
نحن نريد الصحوة الاسلامية الحقيقية، وهي الصحوة النابعة من الاسلام، ليس إسلام السلاطين و المستكبرين، إسلام البترول الغاز و الأموال الحرام، كلا،.. إسلام الفقراء و المستضعفين، إسلام الناس اللذين يفهمون الحقائق بنور بصائر الوحي ونور العقل ومعرفة عالية بالواقع.. فإلى متى تبقى هذه الدعايات المزيفة، و هل إستطعتم بهذه الدعايات أن تصلوا إلى أهداف معينة؟ لقد خدعتم أنفسكم قبل أن تخدعوا الآخرين.. فمشكلة الصحوة في بلاد الإسلام، أنها قد تكون صحوة لكنها غير إسلامية، لأن الإسلام ليس شعار فقط، بل هو قبل كل شيىء محتوى ومضمون، إسلام حقيقي، إسلام النبي (ص) وأهل البيت(ع).
ضرورة التصحيح وإعادة النظر
ولذا أقول: نحن ندعو الى إعادة النظر في الأصول، في الركائز و القواعد، في المنطلقات، والا فان هذه الصحوة سترتد عليكم وسوف يبتعد الناس حتى عن الدين الحق بسبب طريقتكم في أداء الدين، في الدعوة اليه، طريقتكم في استخدام الدين للمصالح السياسية الضيقة في المذهبيات والعصبيات والجاهليات وشرح الدين وتقديمه وتصويره على أنه وسيلة للتجبر على الناس، كما وسائل بني امية وبني العباس الذين هدموا الدين وجعلوا المسلمين فرق شتى..
نريد الحرية الانسانية و حقائق الدين المتفق عليها، فنرجو أن يصحوا هؤلاء الذين يقولون الصحوات وكفى، ادرسوا تجربتكم هذه وتجاربكم الاخرى دراسة واعية، اعرضوها على الحكماء، على العلماء اهل البصائر، والا فقد تتحول بلداننا مما نراه اليوم من مشاكل وأزمات في سوريا ومصر وليبيا وغيرها من البلدان، الى ماهو أشد واخطر من الصراعات وإنعدام الأمن وفوضى السلاح، والفتاوى التي مانزل الله بها من سلطان، وكل فوضى مماثلة في مختلف المجالات، نسأل الله تعالى ونرجوه أن يجنبها الأمة ولايبتليها بها أكثر مما هو حاصل اليوم.