
حاجتنا الى الحكمة في بعدين: السلوك الشخصي.. وعلى مستوى المجتمع والدولة والأمة
05 Jun 2023بسم الله الرحمن الرحيم
[وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ]
صدق الله العلي العظيم
الحكمة هي عنوان حياة الصالحين، بل الحكمة هي رائد مسار الفائزين والناجحين في الحياة، وربنا حينما يقول: [يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا]، ذلك لأن الانسان اذا اوتي الحكمة فانه يستطيع ان يعيش حياة طيبة ويموت ميتة طيبة ويحشر عند الله طيبا، واما اذا فقد الحكمة فأن أفضل ما يملكه لا ينفعه، وبرما يتحول الى وبال عليه، وفي الحديث الشريف: اذا لم يكن عقل الانسان اكمل ما فيه كان هلاكه بأيسر ما فيه..
أرأيت لو عـُرضت عليك سيارة جميلة جديدة معبئة بأفضل انواع الوقود ولكن قيل لك بان هذه السيارة ليس فيها مقود، هل تركب فيها؟!. إن الحكمة هي مقود الانسان فهي تعني ان الانسان يلتزم بنور هدى ربه وعقله وفطرته ووجدانه في حركته واتجاهه، وربنا تعالى يقول في اية كريمة في سورة لقمان (ولقد آتينا لقمان الحكمة ان اشكر لله) فلقمان كان حكيما ولأنه كان حكيما استطاع ان يعيش عيشة صالحة ويورثنا هذه الحكمة.
واليوم نحن بحاجة الى الحكمة في بعدين أساسيين الأول: بُعد السلوك الشخصي، كل انسان يجب ان تكون لديه معالم الحكمة في حياته، يعرف من هو وماهو موقعه ودوره في هذه الدنيا وما هي مسؤولياته وكيف يحققها وما هي غايته وأهدافه في هذه الحياة.
بعض الناس تجده فقيرا ولكنه يسرف ولا يكون مدبرا في شؤون حياته وهو دائما في عناء، وقد ترى شخص اخر غني ولكن يقتر على نفسه ويعيش عيشة الفقراء ويُحاسب يوم القيامة حساب الاغنياء. لذا بعض الناس يعيش في ازمات متلاحقة في حياته، سواء في محيطه الشخصي او حتى في علاقاته مع الاخرين في المجتمع، بسبب عدم امتلاكه حكمة التصرف في علاقاته وشؤون حياته.
و الحكمة يمكن تلخيصها في كلمتين، الكلمة الأولى: ان تعرف ما عندك. و الثانية ان تستخدم ما عندك فيما يصلح أمرك ومالا يضرك ويضر بالآخرين. وهاتان الكلمتان تـُختصران بلغة الاسلام وفي منطقة القران الكريم في كلمة الشُكر. والتي تعني أن يعرف الأنسان النّعم ويعرف كيف يتصرف بها. فشكر النعمة هو اولا معرفتها، وثانيا العمل بهذه النعمة في الطريق الصحيح. هذه هي الحكمة على مستوى الفرد.
اما على مستوى المجتمع والدولة والأمة فالحكمة بالإضافة الى ما اشرنا إليه، من معانيها انهم ايضا لا يضيعون ثروات البلاد وفرص البلاد في التقدم والنماء، لا يضيعوها ويهدروها في المسائل الثانوية الهامشية، بسوء الادارة والتخطيط او بالفساد، او بتسخيرها وتبديدها في الصراعات الداخلية بدلا من استثمارها في بناء البلاد وخدمة العباد. ولو قاموا بذلك، لما وجدنا الدراسات والإحصاءات اليوم في بلداننا بالمنطقة العربية ومن بينها العراق، تشير الى أن نسبة البطالة في هذه الدول وصلت الى مؤشرات خطيرة قد تزيد في بعض الاحيان وبعض البلاد عن 30% وخصوصا في فئة الشباب العاطلين عن العمل.
وهكذا أيضا نحن في العالم العربي نستورد معظم نأكله من الخارج، فضلا عن باقي السلع الاستهلاكية لماذا؟ أين ذهبت وتذهب الثروات والأموال الطائلة، اين يتم تخزينها؟
والأسوء من ذلك ان هذه الاموال اصبحت تستغل لخلق وإثارة المشاكل في هذا العالم..
لماذا يسخر بعض أمراء البترول والغاز ثروات وأموال الشعوب والأمة لتغذية الصراعات والفرقة والاقتتال وتفجير الابرياء ظلما و عدوانا، في باكستان في سوريا في العراق وغيرها من البلاد، لماذا يتم إستغلال هذه الاموال والثروات لنشر العصبية والكراهية والأفكار الفاسدة. ولهولاء اقول ما يقول الرب تعالى: [ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون].
إذن نعود ونقول لهم: اين الحكمة يا مسلمين، يا عرب؟ القران نزل فيكم وبلغتكم، اين القران من تصرفاتكم؟ اين تأريخكم وقيمكم؟ لماذا اموال المسلمين تتحول الى اسلحة و الى افكار هدامة وتتحول الى شبكات تخريب وإجرام كالقاعدة وما اشبه وتحول البلاد الى جنهم؟ خافوا ربكم، اعرفوا ان الدنيا دولاب ولا تستقر امورها على حال، فكثير من الدول والأقوام كانت لديها الاموال الطائلة، لكنها انتهت (وتلك الايام نداولها بين الناس)..
فلنسأل الله تعالى ان يرزقنا الحكمة، ان يلهمنا معرفة الصواب في تصرفاتنا وحركتنا و لكي نوحد صفوفنا، وشعبنا العراقي بفضل الله لن ينخدع ولن يرضح بهذه الهجمة السفيانية القارونية، وهو بسنته وشيعته وكرده وعربه وتركمانه وكل قومياته وطوائفه وفئاته يوحدون نفسهم ويصبحون مثل للمناعة والقوة والشجاعة حتى يحافظوا على وحدة البلاد، بل وشعبنا كما هو معروف عنه، وبما لديه من خيرات، يمد يد العون الى الاخرين ايضا وكل من يحتاج، بمجرد أن تستقر اوضاعه وينهض، فنحن نتعاون مع كل من يريد ونتكامل مع شعوب أمتنا و نتعاون لنبني بلادنا جميعا من اجل مستقبل زاهر.