Search Website

تدبرات المرجع المُدرّسي في سورة (الدخان) شهر رمضان المبارك / 1437 هـ – (الدرس الأول)

تدبرات المرجع المُدرّسي في سورة (الدخان) شهر رمضان المبارك / 1437 هـ – (الدرس الأول)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

{ حم(1) وَ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَهُ فىِ لَيْلَةٍ مُّبَرَكَةٍ  إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ(3) فِيهَا يُفْرَقُ كلُ‏ُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(4) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا  إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ(5) رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ  إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(6)}

 

مرةً أخرى وفقنا الله سبحانه نحن والاخوة الكرام والأخوات الكريمات لنعيش لحظات تدبر لآيات القرآن الكريم ، حيث رزقنا الله سبحانه عمراً جديداً وتوفيقاً متجدداً للتدبر ، فهناك من كان معنا في العام المنصرم واليوم هم تحت الثرى يتمنون العود والاستفادة من القرآن ومن مجالس الذكر في شهر رمضان المبارك.

وباعتبار هذه الليلة هي اولى ليالي مجلسنا ، اود أن ابين أمرين:

 

الأمر الأول : الاستفادة المثلى من مجالس الذكر

كيف نستفيد من هذه المجالس بالفائدة المثلى ، فباليقين ليس الجميع متساوون في انتفاعهم واستفادتهم من المجالس ، فرب داخلٍ لمجلس الذكر ومستمعٍ للمتحدث دون أن يستنير قلبه ، بل قد يفقد ما في قلبه من نورٍ حتى ، وفي المقابل هاك من يحضر المجلس فيمتلئ قلبه بنور الإيمان وضياء التقوى فيكون نوراً على نور .

ولا يرتبط الأمر بشخص المتحدث ، ومقامه العلمي ،  ما دامه ينطق عن الله سبحانه وعن الحق ، فقد يكون المتلقي أكثر علماً من المتحدث واكثر انتفاعاً بما يطرحه الخطيب من الخطيب ذاته، وكما في النبوي الشريف :

” وَ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ”[1].

ومن هنا ؛ نعود لنتسائل : ماذا نفعل لتسوقنا هذه المجالس وأمثالها من مرحلة الى مرحلة أسمى ، وبعبارة أخرى كيف نجعل المجالس التي نحضرها معراجاً لأرواحنا ؟

فالساعات التي نصرفها في حضور المجالس سنُسئل عنها يوم القيامة ، ولا يكفي أن نقول بأنا حضرنا فيها  ، فماذا كان عملك وفعلك ؟ والعمل هي الحركة التابعة لإرادة الإنسان .. والأساس هي تلك العزيمة والإرادة لإصلاح الذات وسمو الروح.

بلى ؛ إن التحرك في ذهابك للمجلس يكسب أجراً وثواباً ولكن لا يعتبر ذلك الفائدة المرجوة من حضورك فيه ، لأنك صرفت من عمرك الكثير في هذا المجال ولابد أن يكون نافعاً.

وقد قلت للإخوة مراراً ، أننا سنسئل في الليلة الأولى في القبر ، قبل يوم القيامة .. ومما يسأله الملكان عن العمر فيمَ أفنيناه وماذا كان عملنا فيه؟

أيها المؤمن ، كل ساعةٍ من ساعات حياتك انك مسؤولٌ غداً ، حتى ساعات انتظارك للطائرة وجلوسك فيها وركوبك في القطار وانتظار الحافلة و.. كلها ستسأل عنها.

ومن هنا ، اوصي الأخوة ببعض الوصايا في مجال الانتفاع الأمثل من حضور مجالس الذكر :

أولاً: ليس في الحضور شخصٌ الا وهو يملك جوالاً ، ولا تخلو الجوالات اليوم من برامج لتسجيل الصوت ، فليسجل كل واحدٍ منكم كلمة المتحدث ، وليسمعها لاحقاً في طريقه الى العمل أول وقت استراحته او.. واذا سمعت مطلباً يستحق البحث فسجله في ذهنك لتناقشه مع اصحابك.

وإن وجدت موضوعاً ينفع أهلك أو زملائك في العمل ، فكن انت الواسطة لنقله لهم وتعليمهم.

فكّر فيما يقوله الخطيب والمتحدث وأنقد الكلام المطروح ، فإذا وجدت ما ينفع المجتمع فأنشره بمختلف الوسائل ، فبالاضافة الى إنتفاع المجتمع به ، انت بدورك ستنتفع بما تقول أكثر وأكثر.

فليكن كل واحدٍ منبراً اعلامياً للنشر الحق والخير ، فنحن اليوم نعيش عصر الغزو الثقافي والإعلامي من قِبل الدول الغربية التي توجه اعلامها وثقافتها الفاسدة باتجاهنا ، وقد غزت مجتمعاتنا وبقوة من خلال وسائل التواصل الإجتماعي والمواقع المختلقة والفضائيات المتعددة ، ولا يجوز لأحد أن يلقي بمسؤولية المواجهة مع المد المنحرف ، على عاتق الحكومات والمؤسسات والحوزات و..

بل الكل مطالب بتحمل هذه المسؤولية العظمى ، ولا يكتفى بفعل جهة دون أخرى ، او شخصٍ دون آخر ، فكما لا يمكنك ان تستغني بتنفس صاحبك عن تنفسك أنت ، فكذلك لا يمكنك ان تكتفي بعمل غيرك عن قيامك بواجبك أنت.

والإسلام يأمر أتباعه جميعاً بتحمل مسؤولياتهم في نشر الدين ومواجهة التحريف ، وكما في الحديث الشريف عن النبي الأكرم ، صلى الله عليه وآله :

” كُلُّكُمْ‏ رَاعٍ‏ وَ كُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”[2].

ويأمر الاسلام بذلك عبر مجموعة متنوعة من الفرائض والقنوات ، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتواصي بالحق والصبر والمرحمة ، وعبر إرشاد الجاهل و..

فلا يتوانين أحدٌ عن قيامه بواجبه ، متشبثاً بالاعذار والتبريرات الواهية ، وليعلم من يبرر تقاعسه وتكاسله ، أن عقوبة التبرير الكاذب قد تكون أشد من ترك الواجب نفسه ، فترك المرء للواجب معصية ، ولكن تبرير المعصية عبر تأسيس لثقافة منحرفة معصية أشد وأكبر.

ولو قام كل امرء بمسؤوليته في نشر الدين والحق ، لما كان للتيارات المنحرفة مكاناً في مجتمعاتنا ، ومنها الظاهرة مؤخراً من خلال دعوتها الى الإلحاد وإنكار الخالق سبحانه ، والتي تدعوا الى تجاوز كل القيم وهدم كل المعتقدات عند المؤمنين.

الأفلام الإباحية التي ينشرها الغرب لتمييع شبابنا خطيرة على الأطفال والشباب ، ولكن الأخطر منها تلك الأفكار التي تسعى لتغيير العقيدة وتحريفها ، وابعاد الشباب عن عقيدة التوحيد والنبوة والإمامة.

ثانياً: اكتبوا ما تستفيدون منه في المجلس ، فستأنس بكتاباتك يوماً ما ، كما دعا الأئمة الأطهار عليهم السلام الى الكتابة لمجيء يوم يأنس بها كاتبها ، ولا تكتفِ بكتابة ما يطرحه الخطيب ، بل اكتب معه تعليقك على الفكرة والموضوع ، او إضافةً عليه من قِبَلك.

اكتبوا الروايات الشريفة التي تذكر في المجلس ، واجتهدوا لحفظها  ، فكلماتهم نور تضيء الحياة ، فإن لم يكن لأحدكم وقتاً لمراجعة أمهات الكتب الحديثية مثل الكافي والوافي والتهذيب والكتب الأخرى مثل تحف العقول الذي يعد من أعظم الكتب ، فليستفد من النصوص التي يذكرها أصحاب المنابر على المنبر ، ويجعلها منهاجاً لحياته.

 

سورة الدخان وليلة القدر

تتمحور سورة الدخان حول مواضيع متعددة ، ولها ابعاد مختلفة ، ولكن من أبعادها الأساسية الحديث عن ليلة القدر ، وأود أن اتحدث قليلاً عن ليلة القدر مؤجلاً تتمته لليلة غدٍ إن شاء الله.

ليلة القدر ، وبحسب ما يرى بعض العلماء ، أربع ليالٍ ( أولها ليلة النصف من شعبان ، والباقي في ليالي شهر رمضان المعهودة).

لا يستفيد من ليلة القدر من لا يقدرها حق قدرها ، بل ينتفع من ليلة القدر من يعرف قدرها ومقامها.

فما الذي نفعله لأجل ذلك؟

من بداية شهر رمضان المبارك يخطو المؤمن خطوات نحو ليلة القدر ، حتى يصل اليها ويحدث فيها ربه لا حجب وموانع ، وفي أدعية شهر رمضان ذكرٌ لليلة القدر منذ بداية الشهر ، استعداداً لها.

ومن هنا لابد أن تستعد –أيها المؤمن-  لليلة القدر من بداية الشهر كما تستعد لسفرك قبل مدة طويلة ، فأمامك ليلة هي خيرٌ من ألف شهر ، ولم يفضلها الله على ألف ليلة .. بل ألف شهر ، أي اكثر من ثمانين عاماً والذي يعني عمراً كاملاً.

تعالوا لنستعد لليالي القدر التي أمامنا ، بالعمل الصالح والمزيد من التقرب الى الله سبحانه وتعالى.

سألني : كيف أصل من النفس الى الرب؟

قلت له : كم المسافة بين الأرض والسماء ؟ قال كثير .. فقلت له : عليك أن تسلكها ، لكن خطوةً تلو خطوة ،  دون توقف ، فالتوقف يعني التقهقر والتراجع ، وكما في الحديث :

”  مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الزِّيَادَةَ فِي نَفْسِهِ كَانَ إِلَى النُّقْصَانِ‏ أَقْرَبَ وَ مَنْ كَانَ إِلَى النُّقْصَانِ أَقْرَبَ فَالْمَوْتُ‏ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْحَيَاةِ”[3].

اغتنم ساعتك هذه و هي فرصتك بين عدمي الماضي والمستقبل ، واستفد منها معتبراً اياها ليلة قدرك ، فلعلك لا تصل الى ليلة القدر ويحول الموت بينك وبينها.

أوصل قلبك بالله .. بأهل البيت عبيهم السلام .. أقول بالله وأعني بأهل البيت أيضاً ، وأقول بأهل البيت وأعني بالله سبحانه أيضاً ، لأن أهل البيت في خط الله والله يأمر بالتمسك بهم.

وبكلمة ، لتكن ليالي شهر رمضان ، تمهيداتٍ عملية ، وليالي شبيهة بليلة القدر ، حتى يصل الواحد منا الى مرتبةٍ ينتفع من ليلة القدر خير الانتفاع.

 

نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لذلك ، إنه ولي التوفيق.

وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] دعائم الإسلام: ج1 ، ص 80

[2]  جامع الأخبار: ص 119

[3]  الآمالي ( للصدوق ) : ص 668