Search Website

تدبرات المرجع المدرسي في سورة (ص) شهر رمضان المبارك / 1435 – (الدرس الثامن عشر)

تدبرات المرجع المدرسي في سورة (ص) شهر رمضان المبارك / 1435 – (الدرس الثامن عشر)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ(31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ(32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ(33)

 صدق الله العلي العظيم

 

إنّه اوّاب:

بصائر عدّة نستفيدها من قصّة داوود وسليمان ومنها.

البصيرة الأولى: ان الانسان يستطيع أن يصل الى الكمال المعنوي مضافاً الى امتلاكه للمسؤوليات الاخرى ليس فقط في الحاكمية على الانس بل وحتّى الحاكمية على الجن والطيور والجبال.

البعض قالوا لا يجتمع النبّوة والامارة في بيت واحد وما كان ذلك الّا حجّة واهية لغصب الخلافة من امير المؤمنين (ع) نحن نتساءل من قائل الكلمة اذن كيف جعلت الامام علي (ع) احد الستّة في الشورى؟

جذور هذه الكلمة جاءت من حين تنازل المسيح لملك لهم وقالوا مالله لله ومال لقيصر لقصير  لكنّ رسول الله (ص) ردّ هذا الكلام.

ربّنا يقول عن سليمان أنّه كان نعم العبد وفي ذات الوقت كان حاكماً وكذلك داوود وذالقرنين وموسى ويوسف عليهم السلام.

اذن ليس بالضرورة أن يبتعد الانبياء عن الحُكم ولذلك نقرأ في سورة الشعراء مرّات متكررة [فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطيعُون] الشعراء 108

لأنّ طاعة الانبياء ضمان لعدم طاعة الطواغيت.

 

البصيرة الثانية: قد يعمل الانسان اعمالاً حسنة لكن قد تكون تلك الأعمال بذاتها حجاباً بينه وبين الله.

فعلى سبيل المثال ان بناء المسجد امر حسن لكن اذا كان انشغالي ببناء المسجد يمنعني من الصلاة اول الوقت او ترك صلة الرحم مثلاً فهذا خطأ.

بناء المسجد ينبغي ان يتوافق مع غيره من الواجبات فلا يكون وسيلة التقرب الى الله سبباً في الابتعاد عنه لأنّه يتوجّه اليها وهكذا كل الاعمال الحسنة.

ومثال ذلك من قصّة سليمان (ع) أنّه كان يجاهد وكما فصّل في سورة النمل حيث كان يعبأ الناس حرب الكفّار كما يقول تعالى: [ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ] النمل 37

وكانت وسيلة انتقال جيشه بالخيول وكان يستعرض خيوله ليرى افضلها يقول ربنا تعالى: [إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ]

وما افمهه من الآية وفي ذات يوم استعرضها وربما لكثرتها بقي معها طويلا حتى غابت الشمس (أو كادت) و فاتته فضيلة صلاة العصر فانتبه أنّ عمله للجهاد وهدف الجهاد هو اقامة الصلاة.

لأنّ الله سبحانه وتعالى يقول: [الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فىِ الْأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَءَاتَوُاْ الزَّكَوةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنكَرِ  وَلِلَّهِ عَقِبَةُ الْأُمُورِ] الحج41

فالهدف من الجهاد اذن هو اقامة الصلاة فتجلّت هُنا صفة سليمان التي قال عنه ربّنا: [انّه اواب]

فاستغفر ربّه فكان ترك الاولى عنده تقديم الجهاد مرّة واحدة على الصلاة.

وهو ما فعله أمير المؤمنين(ع) في الحروب وولده الامام الحسين (ع) في كربلاء حيث اقام الصلاة جماعة.

لذلك علينا أن نراعي الاهمية في اعمال الخير والاكثار من ذكر الله  لكي لا تكون الاعمال الحسنة حجاباً بيننا وبين الله.

وفي الآية اقوال للوضاعين الذين حاولو  التقليل من شأن الانبياء ففي الرواية قال ً قال ابن عباس: سألت علياً عن هذه الآية فقال: ما بلغك فيها يابن عباس قلت سمعت كعباً يقول اشتغل سليمان بعرض الأفراس حتى فاتته الصلاة فقال ردوها عليّ يعني الأفراس فأمر بضرب سوقها وأعناقها بالسيف فسلبه اللّه ملكه أربعة عشر يوماً لأنه ظلم الخيل بقتلها، فقال الامام علي (ع): كذب كعب. (تفسير القمي، ج‏2، ص: 23)

 

وكونه سلطانا لم يمنعه من الاعتراف بالخطإ، ولو كان بمقدار ترك الاولى بسبب عمل خير آخر يحبه اللّه.

وهذه مشكلة يقع فيها الكثير من الناس حيث أنّهم لا يقبلون الخطأ اساساً فلا يمكنهم الاستغفار الذي يعني اولاً الاعتراف بالخطأ ثم الاستغفار منه.

[إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ]

وهي الخيول المروضة من أجوده اتصوّر أنّ هذه كانت التهيأة للحرب.

[فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجاب]

فليس من قيمة للخيل دون أن يكون في سبيل الله وهكذا كل شيء في الحياة يكون ذات قيمة اذا كانت نهاية الى الله.

وقوله تعالى: [توارت بالحجاب] كما ظاهر الاية أنّ الخيول من كثرتها انتشرت في الصحراء حتّى لم يكد يراها.

[رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ]

للخيل ثلاث علامات اولاً في وقوفها والثاني في حركتها والثالث كان المسح على أعناق الخيل وسيقانها فكان طريقاً عند أهل الخبرة لمعرفة الجيد منها.

وصل اللهم علی محمد وآله الطیبین الطاهرین.

 

 

تدبرات سماحة المرجع الديني آية الله العظمى المدرسي في سورة (ص)

شهر رمضان المبارك / 1435

الدرس الثامن عشر