Search Website

تدبرات المرجع المدرسي في سورة (ص) شهر رمضان المبارك / 1435 – (الدرس السادس والعشرون)

تدبرات المرجع المدرسي في سورة (ص) شهر رمضان المبارك / 1435 – (الدرس السادس والعشرون)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

[قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) ما كانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى‏ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحى‏ إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذيرٌ مُبينٌ (70) إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طينٍ (71) فَإِذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي‏ فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ (72)]

صدق الله العلي العظيم

 

الطريقة المتبعة في اغلب السور القرآنية الطويلة، هي ان تشرع السورة ببيانٍ موجز لمطالب السورة واطارها العام، ومن بعد ذلك تبدأ الايات بالتفصيل في الحديث عن تلك الحقائق المشار اليها، بذكر شواهد وامثلة وقصص وبراهين و.. على تلك الحقائق، وبعد ذلك تعيد الايات الحديث عن المطالب المبحوثة مجدداً وبصيغة اخرى؛ وذلك في ختام السورة.

وفي هذه السورة، بدأت الايات الاولى الحديث عن الرسالة وانزال الكتاب على النبي الاكرم صلى الله عليه واله، ومواجهته بالشبهات الباطلة من قبل المشركين، الذين اتهموا النبي بالسحر باعتباره جعل الالهة الهاً واحداً، فبينت الايات تلك الشبهات وردت عليها.

فمن اتكائهم على ما اوتوا من اموال وقوة، في مواجهة رسالة النبي، صلى الله عليه واله، ورد الايات عليهم بأنهم ليسوا بأقوى من عاد وثمود وقوم لوط، وكيف ان الله سبحانه دمّرهم جميعاً، مع ما كانوا فيه من قوة ومنعة.

و كذلك من طلبهم من النبي بتعجيل قطّهم وما يعدهم من الجزاء الالهي، الذي رد السياق القرآني عليهم، بأن عطاء الله مشروط بالايمان به والالتزام باوامر الرسالة، ذاكراً في ذات السياق امثلة كثيرة من الانبياء العظام الذين لم يعطهم الله سبحانه ما اتاهم الا بعد ان انابوا اليه والتزموا بأوامره ونواهيه.. وهذا الامر كان المحور الاساس لهذه السورة المباركة.

وبعد ذلك يعود السياق القرآني للحديث عن الكتاب المنزل ودور النبي المرسل.

(قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظيمٌ)

ان القرآن الكريم والرسالة ليس امراً هيناً، بل هو نبأ عظيم، فهو الذي فيه خبر ما قبلنا وحكم ما بيننا، وهو الشافع المشفَّع والماحل المصدق الذي يقود من جعله امامه الى الجنة، ويسوق تاركه الى النار.

(أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ)

القرآن الكريم، بهذه الصفات العظيمة موجودٌ بيننا، ولكن المشكلة هي مشكلة الانسان الذي يعرض عن هذا النبأ العظيم، فَلِمَ يعرض الانسان عن هذا العهد الالهي ولا يستفيد منه؟

على المرء ان يسيّر حياته بالقرآن، ويحيي قلبه بتلاوة اياته، ويخشّعه بالتأمل في كلماته، ويعطي للروح طراوةً بمدارسته.

(ما كانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى‏ إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِنْ يُوحى‏ إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذيرٌ مُبينٌ)

يتحدث القرآن عن لسان النبي الاعظم، صلى الله عليه واله، بالقول: بأنه بشر، وليس له من علم ٍ بما يجري بالملأ الاعلى الا عبر بيان الله له وانزال الوحي عليه.

وكلمة المَلَأ، ويراد بها الشخصيات الكبيرة التي تملأ العين.

وبتأكيدات تتبع بعضها بعضاً تؤكد الاية على ان علم النبي انما هو من عند الله:

إن: حرف نفي لحقه اداة الاستفهام، وهو يدل على الحصر.

أنما: اداة حصر.

انا: مزيدٌ من التأكيد على ان الرسول هو نذير.

وهو نذيرٌ بانذار مبين، اي لا لبس فيه، فيكفي العاقل انذاره، صلى الله عليه واله، ليرعوي عن الانحراف والظلال، ويأوي الى ظل الهدى والايمان.

ولكن ما الذي كان يجري عند الملأ الاعلى؟ وما كان نوع التخاصم؟

(إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طينٍ)

قال الله سبحانه لملائكته انه يريد خلق بشرٍ من طين.. وهاهنا كان مبدأ خلقة الانسان حيث اعلن الله سبحانه وتعالى عن هذا الامر.

ولكن لنا ان نتسائل بعض الشيء حول هذه الاية.

اولاً: لماذا حدث الله سبحانه ملائكته بهذا الامر؟ وهل يحدث الله ملائكته اساساً؟

وثانياً: هل كانت هناك ثمة مخلوقات على وجه الارض قبل خلقة الانسان؟

اما عن السؤال الاول، فنقول : نعم، ان الله سبحانه يحدث ملائكته في كثير من الاحيان، بالامر اليهم ونهيهم، بل وقد يباهي الله ببعض العباد على ملائكته، كما حدث ذلك في ليلة المبيت حيث باهى الله سبحانه بعلي ٍعلى جبرئيل وميكائيل، او كما يباهي الله بعبده الذي يقوم لاداء النافلة في جوف الليل.

ويبدو ان حديث الله مع ملائكته هنا، كان ليظهر لهم حكمته وعظيم صنعه، ومحكم تدبيره، فالملائكة اعترضوا في البدء على هذا الامر، حيث قالوا- كما يحدثنا الله عن قولهم في سورة البقرة-: (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُون‏)[1].

واما عن الارض، فيبدو – من النصوص الشريفة- ان الارض كانت موجودة قبل خلقة آدم، عليه السلام، وفيها من المخلوقات الكثير: من نسناس، وجن، بل حتى اناس قبل نبينا ادم، ففي الحديث الشريف عن الامام الباقر، عليه السلام: َ تَرَى أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا خَلَقَ هَذَا الْعَالَمَ الْوَاحِدَ و تَرَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ بَشَراً غَيْرَكُمْ، بَلَى واللَّهِ لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ أَلْفَ أَلْفِ‏ عَالَمٍ‏ وأَلْفَ أَلْفِ آدَمٍ‏ أَنْتَ فِي آخِرِ تِلْكَ الْعَوَالِمِ وأُولَئِكَ الْآدَمِيِّينَ.

(فَإِذا سَوَّيْتُهُ و نَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي‏ فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ)

ولكن في هذا المخلوق الجديد، ميزةً تجعله مؤهلاً ليكون موضع سجودٍ واحترامٍ وتقدير من قبل الملائكة، وذلك ان الله سبحانه ينفخ فيه من روحه.

فما معنى الروح؟ وما علاقته بقوله تعالى: (قل الروح من امر ربي) وعلاقته بقوله سبحانه: (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر)؟

هذا ما سنحاول الحديث عنه بشيء من التفصيل في الدرس القادم، ان شاء الله.

وصل اللهم علی محمد وآله الطیبین الطاهرین.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سورة البقرة: الاية 30

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

تدبرات سماحة المرجع الديني آية الله العظمى المدرسي في سورة (ص)

شهر رمضان المبارك / 1435

الدرس السادس والعشرون