
تدبرات المرجع المدرسي في سورة (ص) شهر رمضان المبارك / 1435 – (الدرس الثالث)
05 Jun 2023
بسم الله الرحمن الرحيم
وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) صدَقَ آلله العليٌ آلعظيْم
عقبات في مسير الكمال:
حين نتدبر في آيات الذكر الحكيم نجد أنه ذكر العقبات التي تعترض الانسان من اجل الوصول الى الكمالات الرفيعة وارفعها الايمان بالله تعالى على صورة قصص ولكن ذلك لا يعني انحصار النص القرآني باولئك الاشخاص او بتلك الحقبة الزمنية إنّما مثل القرآن كمثل الشمس يشرق كل يوم على افق جديد فهو من جهة يرتبط بكل فرد منّا حين يُطبّق آياته المباركات على نفسه ويجعله معياراً لسلوكياته ومن جهة اخرى يرتبط بمنحى اجتماعي إذ أنّ الكفّار الذين ذُكرو في القرآن على سبيل المثال لازال لهم وجود خارجي.
التقاليد الباطلة:
ومن هذه العقبات التي تحول دون وصول الانسان للكمال هو التسمك بالعادات والتقاليد الباطلة.
لأنّ الانسان يتمسك بالعادات والتقاليد التي توارثها من آباءه ولعلّ هذه العقبة اسوأ الحُجب والموانع التي تحول دون وصول الانسان الى الكمال وخصوصاً اذا كانت تلك العادات والتقاليد مُغلّفة بغلاف الدين والقداسة الشرعية.
فترى البعض ييُدخلون في الدين ما توارثوه من السلف فيحرّمو ما أحلّ الله ويُغيرو في الدين الحنيف وباعتقادي أن سورة الانعام المباركة بعظمتها جاءت لتنقض هذه الفكرة يقول الله تعالى:
[قُلْ مَنْ حَرَّمَ زينَةَ اللَّهِ الَّتي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ] (32الانعام)
ومن ذلك أنّهم لم يُؤمنو بالرسول الذي جاء نذيراً لهم لأنّ ذلك يخالف عاداتهم وتقاليدهم يقول الله تعالى:
[وَعجَبُواْ أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنهْمْ]
لأننا كبشر نعرف بعضنا البعض ونتعجب أن يبعث الله احداً منّا ليكون نذيراً علينا وإنّما قالو ذلك لسببين:
1- لأنّ الرسول الذي أُرسل اليهم كان يأكل الطعام ويمشي في الاسواق فيكتسب معيشته بنفسه وهذا شأن كل الانبياء فتراهم يقولون [وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ] (31 الزخرف) .فلماذا لا يُنزل الوحي على كبراءنا وعلى أصحاب القوّة والجاه.
2- لأنّ البشر بصورة عامّة لا يؤمنون بقدراتهم ويشعرون عادة بعُقدة النقص والحقارة في اعماقهم ولكي يعالج القرآن ذلك يبين كيفية خلق الانسان وكيف سجدت له ملائكة السماء ذلك لكي يعرف الانسان نفسه لأنّ الانسان حين يؤمن بنفسه لا يتعجب ايضاً أن يكون المنذر والعكس صحيح فحين لا يؤمن الانسان بنفسه تراه يقول يعجب من وجود نذير منه ويقول إنّ هذا لشيء عُجاب.
ومن الجدير بالذكر أنّ ذلك قد يتكرر لنا ايضاً حين يكون العظماء من حوالينا فلنحذر من الانتقاص منهم ليس لشيء بل لأنهم قريبين منّا بصورة او بأخرى وبالمقابل فإنّ إحدى اسباب تقدم الأمم هو احترامهم لبعضهم البعض.
والحقيقة ان التعجب من كون النبي منهم هو مقدمة لعدم الأيمان به ومن جهة أخرى الايمان بالنبي يُمهّد السبيل للاقتداء به والمسير على خُطاه.
بين الانذار والتبشير:
لماذا استخدم [منذر] وليس مبشّر؟
يهتم الانسان بدفع الضرر اكثر من جلب المنفعة فيهتم دائماً أن لا يفقد ما عنده اكثر من الحصول على شيء جديد ومن هُنا كان استخدام القرآن للانذار اكثر من البشارة .
ذلك أن الحضارات حين تبدأ بقوس النزول وتنحدر نحو الانحراف يُرسل الرب الرحيم لهم الانبياء لكي يُنذرهم وليُمنع عنهم العذاب.
ساحر كذّاب:
وهكذا يتمادى البشر حتى ينعت الانبياء بالسحر والكذب يقول الله تعالى:
[وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ]
يتكرر البحث عن السحر في القرآن فقد كانت تُهمة السحر تُلصق بكل نبي يحمل رسالة الاصلاح الى قومه يقول الله تعالى:
[كَذلِكَ ما أَتَى الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ](52الذاريات)
فهُم لم يميزو بين المعاجز التي جاء بها الانبياء والسحر الذي جاء به الكهنة والسحرة
فماذا يعني السحر؟ وما هو الفرق بينه وبين المعجزة؟
قد تخرج من بيتك يوماً فترى الهواء مُغبّراَ تراه وتستنشقه وتتأثر به واحياناً اخرى قد لا يكون غباراً ولكنك ترى الهواء مُغبراً وحين لم تجد آثار الغُبار الاخرى تعرف أن عينك هي التي ترى وكأنّ الهواء مُغبرّاً.. ففي الحالة الأولى تغيّر الواقع ولكن في الحالة الثانية تغير انطباعك عن الواقع أي ان احاسيسك هي التي تغيرت وهذا هو الفرق الدقيق بين المعجزة وبين السحر.
فسحرة موسى مثلاً استخدمو الزئبق التي تحرّك بسبب الحرارة فكانت النتيجة
أن الحبال والعصي كان [يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى] (66طه)
وهكذا يستخدم السحرة اساليب التأثير على حواس الناس في الاصوات المُختلفة والاضاءات المتعددة ويُخيفونه تارة ويُغفلونه اخرى وكما قال الرب عن سحرة موسى أنهم كانو يسترهبون الناس فيؤثرون على ارواحهم ويغسلون ادمغتهم باستخدام المؤثرات المختلفة.
وهذا هو اساس السحر الذي هو التأثير على حواس الشخص المقابل وليس على الواقع بينما المعجزة هي تغيير الواقع ومن هنا تجد السحرة عادة من الطبقات السُفلى في المجتمع من الفاشلين البائسين او الذين لا يجدون قوت يومهم وكما يقول الرب المتعال [ٍوَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى] (69 طه) لأنهم لا يتعاملون مع الحقائق والوقائع الخارجية وانّما يتعاملون مع الخيالات والاوهام والاكاذيب .
بينما الانبياء الذين جاءو بالمعاجز بنو حضارات فهُم كانو اساساً لكل الحضارات ولا يخفى ما لحضارة الاسلام من عظمة وشموخ فهل يستطيع الساحر أن يبني حضارة؟
أن يبني انسان يبني الحياة ويُكوّن الحضارة .
ومن الجدير بالذكر ان اتهام الكفّار للانبياء بالسحر يؤخذ دليل عليهم لأنّهم بذلك اثبتو كون الانبياء لديهم اموراً غير طبيعية وهذا صحيح لكنّهم اخطأو في تفسير ذلك بالسحر إنما هي معاجز تكون دليلاً على صدقهم.
ولم يكتفي الكافرون باتهام الانبياء بالسحر وإنمّا قالو ساحر كذاب, فأي ساحر في التاريخ احدث مثل هذه الثورة والانقلاب على القيم الفاسدة حتى وصل الى قمة المفاسد وجعل يدعو الناس الى اله واحد ويذر ما كانو يعبدون من آلهة
يقول تعالى: [أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ]
قالو ساحر لأنهم رأو انه يفعل امور لم يفعلها غيره.
ولكنّ السؤال لماذا يريد البشر اكثر من آلهة ؟
ولعلّ الجواب في احدى النقاط التالية
اولاً: لأنه يريد الفرار من المسؤولية الملقاة على ظهره فيصنع الهاً يقف امام الله ليبرر عدم تحمله للمسؤولية.
ثانياً: يرغب البشر بالفرقة ومن ابعاد ذلك رغبته بجعل اله يختص به.
ثالثاً: اعتقادهم بأن الالهة تنفعهم في دنياهم فكل اله في شيء فاله للمطر واخر للشجر وثالث للزراعة وتعالى الله عمّا يصفون.
وجاء الانبياء لنسف كل الاصنام المصطنعة من دون الله وعبادة اله واحد لا شريك له.
و صل اللهم علی محمد وآله الطیبین الطاهرین.
تدبرات المرجع المدرسي في سورة (ص) شهر رمضان المبارك / 1435
الدرس الثالث