Search Website

تدبرات المرجع المدرسي في سورة (ص) شهر رمضان المبارك / 1435 – (الدرس الخامس)

تدبرات المرجع المدرسي في سورة (ص) شهر رمضان المبارك / 1435 – (الدرس الخامس)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ * صدَقَ آلله العليٌ آلعظيْم

 

الصراع سُنّة الحياة

منذ تلك اللحظة التي هبط فيه البشر الى الأرض قُدّر له التصارع، حيث قال الرب المتعال:

[قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى‏ حين]

فكانت العداوة ضمن الطبيعة البشرية، وذلك لأنّ الله خلق البشر أمشاجاً، فمنهم الطيب ومنهم الخبيث، فمن الطبيعي أن ينساق بعض البشر نحو العبادة والتقوى والعدل والفضيلة بينما ينساق قسم آخر الى الضد من ذلك، وبالتالي من الطبيعي أيضاً أن يصطدم الحق متمثلاً برجاله مع الباطل متمثلاً برجاله، وهذه سُنّة الحياة.

إذا عرف الانسان هذه الحقيقة وهيأ نفسه لذلك الصراع  تراه لا يتفاجأ بل وينتصر بالصراع، والعكس صحيح أيضاً فمن لا يتهيأ تراه يتفاجأ بالحرب ونصيبه الهزيمة فيه.

بيد أنّ ذلك الصراع لا يكون صراعاً عسكرياً دائماً، بل وفي الكثير من الأحيان يكون صراعاً ثقافياً، وهو ما ينبغي التوجّه اليه وعدم فتح المجال أمام وسائل التواصل الحديثة أن تكون نافذة سيئة للثقافة الفاسدة.

وقد تجلّى ذلك الصراع حين صدع النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله) بما أوحي اليه وأنذر قريشا وقال: (قولوا لا اله الّا الله تفلحوا) لم يستوعبوا تلك الحقيقة الكُبرى التي هي دونها كلّ الحقائق، فقالوا: [أَجَعَلَ الاَلهِةَ إِلَاهًا وَاحِدًا  إِنَّ هَاذَا لَشىَ‏ْءٌ عجُاب].

وبعد ذلك انقسموا الى قسمين، كان القسم الأول هُم أصحاب المال والجاه والزعامة الذين كان بيدهم زمام الأمور ويُصطلح عليهم في اللفظ القرآني (بالملأ).

و أمّا القسم الثاني فهم العامّة من باقي طبقات الناس.

وهُنا تقول الآية الكريمة: (وَانطَلَقَ الْمَلَأُ) ويعني الانطلاق: الحركة مع السرعة الكثيرة، وكان سبب الانطلاق هو خشية التأثر بكلام النبي (صلى الله عليه وآله) وهكذا كان قُريش يضعون القطن على آذانهم لئلّا يسمع أحد كلام النبي (صلى الله عليه وآله).

و حين انطلقو وجّهوا خطاباً للقسم الثاني من الناس الذين هم العامة:

[ أَنِ امْشُواْ واصْبرِواْ عَلىَ ءَالِهَتِكمُ‏ْ]

اتبعونا ثم اصبروا واثبتوا على آلهتكم وتحملوا كل شيء في سبيل الدفاع عنها.

ثم قالوا: [ان هذا لشيء يُراد]

هناك بحث بين المفسرين عن هذه الكلمة، لعلّ المعنى الأقرب للكلمة، هو أن خطراً عظيماً وشيئاً كبيراً يهدد وجود هذه الاصنام، فعليكم أن تصبروا وتستقيموا لكي تحافظوا عليها.

هناك بصيرتان نستفيدهما من هذه الآية المباركة:

البصيرة الاولى: ينبغي لنا نحن المسلمين أن نتمسك بديننا، لأن أولئك تمسكوا بباطلهم، وتراهم يفكرون ويخططون ويبذلون كل شيء ليحافظوا على باطلهم، ليس الكفّار فقط، بل وحتى أصحاب المذاهب الفاسدة.

فالوهابية مثلاً يعملون بشتّى الوسائل لتجنيد الناس ضدّ أتباع أهل البيت، فانظروا كيف جمعوا الناس من كل انحاء العالم ودربوهم وجهزوهم بافضل انواع التسليح، فإذا تغافلنا عن ذلك فهم لا يغفلون، فعلينا أولاً أن نتمسك بديننا، ونستعد افضل استعداد للدفاع عنه، وذلك لأنّ أتباع أهل البيت عليهعم السلام كُتب عليهم ان يكونوا في الابتلاءات المختلفة، فقد جاء رجل الى امير المؤمنين عليه السلام، فقال يا امير المؤمنين انا من شيعتك فقال (عليه السلام): [فاتخذ البلاء جلبابا].

اذن اولئك الكُفّار يوصي بعضهم بعضاً أن يصبروا على باطلهم وعلى اصنامهم حيث قالوا: [اصْبرِواْ عَلىَ ءَالِهَتِكمُ‏ْ] فنحن في المقابل علينا ان نصبر على ديننا الحق.

كيف ننقي ايماننا من الشرك؟

البصيرة الثانية: تحدثنا في الدرس الماضي عن الشرك ونتساءل اليوم: كيف يمكن للانسان أن يُنقّي ايمانه في مثل هذا الواقع الفاسد من الشرك؟

والشيطان لا يأمر الانسان أن يعبد الصنم دفعة واحدة وإنمّا يتدرج من الرياء والحسد و..الخ خطوة فخطوة الى ان يوقع الانسان في الشرك الجلي.

في الاجابة نقول: إن الطريق للتخلص من الشرك هو أن نرسخ التوحيد في حياتنا ولكن كيف؟

اولاً: بالتدبر في القرآن، لأن القرآن كتاب التوحيد وهو الذي يزيل الشرك ويُطهّر القلب من الادران، وكم هي الروايات في أهمية التدبر وأن لا يكون همّ المرء حين يقرأ القرآن آخر السورة، واذا مررت بآية فيها ذكر العذاب استعذ بالله والعكس  صحيح.

ثانياً: الادعية، فاذا كان البحث عن التوحيد في الخلاقية فذلك ما  نجده في دعاء الافتتاح. واذا كان التوحيد في الفاعلية فنجد ذلك في دعاء الصباح، حيث يقول أمير المؤمنين: [يولج الليل في النهار ويولج النهار والليل]، واذا كان التوحيد في التقدير فلنقرأ دعاء السمات. وهكذا فان الدعاء هو الشراب الطهور الذي ينبغي ان نتأمل فيه، وذلك لسببين، اولهما ان معرفة الله تكون من خلال آياته عزوجل وذلك ما نجده في الأدعية المباركة التي هي كنوز المعارف الألهية، والسبب الثاني وهو ما مرّ من أن أحد اسباب الشرك هو الشعور بالضعف وإنّما الدعاء هو الطريق الصحيح لجبران ذلك الضعف.

وصية لكل الشباب: للوصول الى العرفان الحقيقي تدبّر في القرآن وطبّق آياته واقرأ الادعية في كل وقت، وابحث عن مرجع تقلّده دينك بينك وبين الله ثم طبق رسالته العملية فإنّك ستصل الى العرفان .

ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة:

الدليل الذي قاله الملأ لعامّة الناس تبريراً لرفضهم لكلام النبي (صلى الله عليه وآله) أن ما يقوله النبي (صلى الله عليه وآله) كلام جديد ما سمعناه من آبائنا، فكيف يمكن ان ننبذ كل الآلهة ونأخذ الهاً واحداً.

و قد أشرنا فيما مضى أنّ الناس على قسمين، فقسم يريدون التغيير في الحياة أمّا القسم الآخر فيريدون ابقاء الوضع على ما هو عليه.

هنا قال الملأ لأننا لم نسمع بهذا في الملّة الآخرة فإنّ هذا هو اختلاق وكذب.

و هذا من الادلّة الباطلة التي طالما استخدمت شر استخدام لتثبيط أي حركة جهادية ووأد أي فكرة نهضوية في الأمّة. مثلا يقولون: ما دام الشيعة لم يستطيعوا أن يبنوا حكومة اسلامية في التاريخ فمن المستحيل أن يكون ذلك في المستقبل.. وهكذا الكثير من الشواهد والأمثلة التي يحملها البعض وهي من ثقافة المناوئين للاسلام.

أمّا نحن المسلمون فرؤيتنا للمستقبل رؤية تفاؤل نحو مستقبل مشرق، فلو طالت الدنيا ملايين السنوات فلابد أن يأتي يوم ظهور ولي الله الأعظم ليملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما مُلئت ظلما وجورا.

وصل اللهم علی محمد وآله الطیبین الطاهرین.

********************************

تدبرات سماحة المرجع الديني آيت الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله)

في سورة (ص) شهر رمضان المبارك / 1435

الدرس الخامس