Search Website

تدبرات سماحة المرجع المدرسي في سورة فاطر الدرس العاشر

تدبرات سماحة المرجع المدرسي في سورة فاطر الدرس العاشر

بسم الله الرحمن الرحيم

{ مَنْ كانَ يُريدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَميعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَ الَّذينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَديدٌ وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)}

تتضمن الاية بحوثٌ ثلاث ترتبط بموضوع العزة  ، اولاهما عن مصدر العزة والامر الثاني يتعلق بالامور التي تؤدي الى ان يكون المرء عزيزاً ، اما الامر الثالث فعن مصير الباحثين عن العزة في غير محلها.

مصدر العزة

مَنْ كانَ يُريدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَميعاً}

يبحث الانسان عن القوة والمنعة والهمينة ، وبالتالي فإنه يبحث عن العزة ، ولن يجد العزة من يبحث عنها في غير محلها ، فأين محلها؟

ان الاية تصرح بأن العزة جميعاً لله سبحانه وتعالى ، ولا عزة عند غيره ، الا اذا كان الله هو المصدر لها ، ففي الدعاء : (يَا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالسُّمُوِّ وَ الرِّفْعَةِ وَ أَوْلِيَاؤُهُ بِعِزِّهِ يَعْتَزُّون‏)[1] ، فالمؤمن عزيزٌ بعزة الله سبحانه وتعالى ، ولا يذل نفسه امام غير الله سبحانه في احلك الظروف.

ان اولياء الله ، حين عرفوا مقام ربهم ، واعتزوا بعبوديتهم له ، صغر ما دون الخالق في اعينهم ، فلم يكونوا ليذلوا انفسهم امام صاحب ثروة او سلطان او..

وللعزة مصاديق كثيرة ، منها ان يعتز المؤمن ويستقل في شئونه الاجتماعية ، ومنها الاعتزاز على الصعيد الاقتصادي ، او السياسي، بل حتى على الصعيد العسكري ، فالامة المؤمنة تسعى جاهدةً لئلا تمد يد المسألة الى الكفار والاعداء، بل تسعى دوماً في بناء مجتمعاتها بأفضل شكل ، وفي نهاية الاستقلالية.

وفي احاديث اهل البيت عليهم السلام تأكيد على هذه الحقيقة ، تلك الاحاديث التي تركها المسلمون ورغبوا عنها فضلوا ، يقول امير المؤمنين عليه السلام :احْتَجْ إِلَى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَسِيرَهُ وَ اسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ تَكُنْ نَظِيرَهُ وَ أَفْضِلْ عَلَى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ‏ أَمِيرَه‏.[2]

فالناس ثلاثة ، اما اسيرٌ عندك ، او نظيرٌ لك ، او اميرٌ عليك ، وهذا التصنيف عائد الى اختيار الانسان ، فبإحسانه لغيره يصير اميراً عليه ، و بالاستغناء يكون نظيراً ، وبالاحتياج يتحول الى اسير عند المحسن.

وكما في الافراد ، فان هذه التصانيف تصدق على الامم ايضاً ، فالامة التي تمد يدها لتستجدي الطعام والشراب وضروريات المعيشة من الدول الاخرى ، تعيش في اسر تلك الدول المتفضلة ، اما اذا استغنت فتكون نظيرةً لها ، وفي افضل الاحوال ان كانت الامة مستقلة وعزيزةً ومحسنة الى الاخرين ، فتكون حينها اميرةً على تلك الامم والمجتمعات.

فالعزة جميعاً لله ، فلا يحق بمعتزٍ بالله سبحانه ان يعيش خاضعاً ذليلاً امام غير الله العزيز ، ففي الحديث ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصادق عليه السلام:‏ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَوَّضَ إِلَى الْمُؤْمِنِ أُمُورَهُ كُلَّهَا وَ لَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِ أَنْ‏ يُذِلَ‏ نَفْسَهُ‏ أَ لَمْ تَسْمَعْ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ فَالْمُؤْمِنُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَزِيزاً وَ لَا يَكُونَ ذَلِيلًا يُعِزُّهُ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ وَ الْإِسْلَامِ.[3]

اكتساب العزة

إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}

والسؤال هنا : كيف يمكن للانسان ان يحصل على العزة ؟

من اراد العزة ، عليه ان يقوي علاقته بالله سبحانه وتعالى ( مصدر العزة) فالكلم الطيب هو حبل الله بينه وبين عباده ، المتمثل بالثقلين ، ان الله سبحانه يقول : (وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلى‏ عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَ فيكُمْ رَسُولُهُ وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقيم‏* يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُون‏*  وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَميعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون‏)[4] ، فلماذا يكفر الانسان وعنده كتاب الله ورسوله ؟ وهما معاً حبل الله وعروته الوثقى ، كما انهما يشكلان الاساس في العقيدة السليمة.

فالحصول على العزة – اذاً – يكون عبر تصحيح معتقده ، فمن كان ذا عقيدة مستقيمة فانه عزيزٌ لا تذله اعاصير الحياة ، وكذلك العكس ، فمن لا يمتلك ايماناً بالله عزوجل فانه لن يحصل الا على المذلة والخنوع ففي الحديث  عن امير المؤمنين عليه السلام : (من اعتزّ بغير اللّه سبحانه ذل‏)[5].

بالاضافة الى ذلك فان الاعمال الصالحة ترفع شأن الانسان ومقامه عند الله سبحانه ، ولا نعني بالعمل الصالح الصلاة والصيام لأنهما من الايمان ، بل نعني بالعمل الصالح كل فعلٍ حسن يهدف منه المرء رضوان ربه ، فتعبيد الطرق ، وبناء المستشفيات والمدارس، واطعام المساكين ، وخدمة البشرية ، كلها اعمالٌ صالحة.

فحصول العزة يكون في امرين:

اولا:ً الكلم الطيب : بمعنى العقيدة المستقيمة ، وهي من الامور القلبية.

ثانيا:ً العمل الصالح : وهذا يرتبط بجوارح الانسان .[6]

وَ الَّذينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَديدٌ وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ}

ان الله سبحانه قد سنّ لهذا الوجود سنناً لا تتغير ، فمن سار على وفقها فقد نجى وفلح ، اما من سار في خلاف مسيرتها ، فقد هلك.

فالله سبحانه قد جعل العزة في الايمان به والعمل الصالح ، اما من يبحث عن العزة عند غير الله سبحانه وتعالى ، فانه لن يجدها ومهما سعى وخطط لهذا الامر ، سوف لن يفلح ، لأنه يسير بخلاف الطريق الصحيح ، وحسب التعبير الدارج ( يسبح خلاف التيار).

وهؤلاء يكون لهم عذاب شديد ، وكما في الايات السابقة فان العذاب ذكر نكرةً لمزيد من التهويل والتعظيم ، كما ان مكرهم سيكون الهلاك.


[1]  اقبال الاعمال: ج1 ، ص 343

[2]  الارشاد في معرفة الحجج على العباد: ج1 ، ص 303

[3] الكافي: ج5 ، ص 63

[4]  ال عمران : 101-103

[5] غرر الحكم ودرر الكلم : ص 601

[6]  عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: ‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- (إِلَيْهِ‏ يَصْعَدُ الْكَلِمُ‏ الطَّيِّبُ‏ وَ الْعَمَلُ‏ الصَّالِحُ‏ يَرْفَعُهُ):‏ وَلَايَتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ أَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ فَمَنْ لَمْ يَتَوَلَّنَا لَمْ يَرْفَعِ اللَّهُ لَهُ عَمَلًا.