Search Website

تدبرات سماحة المرجع المدرسي في سورة فاطر الدرس العشرون

تدبرات سماحة المرجع المدرسي في سورة فاطر الدرس العشرون

 بسم الله الرحمن الرحيم

{إِنَّ الَّذينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29)}

القرآن الكريم ، ضياء المعرفة ، ونورٌ لكشف الحقائق ، ومن اراد ان يدرك الحقائق بالقرآن ، فانه يصل الى تلك المعرفة التي يكاد يلمس الحقائق ويشاهدها ، فيصير علمه بالامور علماً يقيناً لا مدخل للريب فيه .

وحين يصل المؤمن الى درجة اليقين ، تتحول سلوكياته جميعاً مؤطرة باطار القرآن ، وابعاد وجوده تمتزج بأيات الكتاب المجيد ، ذلك لأن في القرآن صفات عديدة ، من تدبر في اياته فانه يصل الى وعي تلك الصفات ، ومن ثم تنعكس الصفات على شخصيته.

وقد بينت الاية الثامنة والعشرين ان خشية الله سبحانه ، انما هي نصيب العلماء ، حيث ان الخشية من المراحل المتقدمة في الخوف ، او بعبارة اخرى انها درجة استشعار المرء بوجوده في محضر الرب سبحانه وتعالى ، ولذلك ؛ فان الاية تلك فسّرت بامير المؤمنين عليه السلام ، الذي كانت عبادته الحقيقية خشية الله سبحانه.

وهكذا العالم ، فان جوهر عباداته هي خشيته من الله عزوجل ، بأن يستشعر الانسان وجوده في محضر الله سبحانه وتعالى ، فيكون دائم الذكر لربه عزوجل.

صفات العالم

وبعد تلك الاية ، ذكّرت الاية التاسعة والعشرين صفات اولئك العلماء الذين يخشون ربهم ، وبهذه الصفات يكون العالم عالماً حقاً ، ومن دونها فانه مجرد حافظ لنسخ الكتب ، ومثله كمثل الحمار يحمل اسفاراً دون وعي لها.

والصفات هي:

الصفة الاول: تلاوة الكتاب

إِنَّ الَّذينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ}

العالم هو من سيّر حياته بتوجيهات القرآن ، ولذلك فانه دائم التلاوة له ، وورود الفعل ( يلتون) بصيغة المضارع ، دليلٌ على ان التلاوة شأنهم الدائم ، لا ان يكون القرآن كتاباً لمناسبات الفرح او السرور ، او شهر رمضان فحسب ، بل يكون القرآن إمامَ المرء في كل يوم ولحظة.

ولكتاب الله ابعادٌ ثلاثة ، توجه تاليه الى النجاة:

البعد الاول: الرؤية الشمولية ، فالقرآن يصلح عقيدة الانسان ، ويجعله ينظر الى الحياة برؤية شمولية ، فتكون نظرته الى الدنيا والابتلاء والاخرة و.. كلها في اطار واحد ، يكمل كل جزء منه الجزء الاخر ، فلا يصاب بالازدواجية في المعايير.

البعد الثاني: يزود القرآن الكريم ، الانسان بالبصيرة التي بها يقدر على تبصر الحقائق بشكل ادق وافضل.

البعد الثالث: القرآن ثقافة الحياة ، وتلك الثقافة هي الثقافة السليمة لتصحيح سلوكيات الانسان في جميع شؤونه.

الصفة الثانية: أقاموا الصلاة

{وَ أَقامُوا الصَّلاةَ }

 ان اقامة الصلاة ، واداءها بشكل تام وكامل ، هي الصفة الثانية للعالم الذي يخشى ربه.

وهنا تقابل بين تلاوة الكتاب ، واقامة الصلاة ، لأن علاقة الانسان بربه تكون في بعدين ، الاول الرب الى الخلق ، والثاني العكس ، و البعد الاول يتمثل في تلاوة القرآن ، حيث يتلو الانسان عهد الله اليه ، والبعد الثاني يتجلى في صلاة الانسان ، لأن الصلاة هي من الوصل والصلة بين الانسان وربه ، كما ان الصلاة هي الدعاء.

الصفة الثالثة: الانفاق

{وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً }

كلما اقترب العبد الى ربه ازداد غنى في نفسه ، فالله هو الغني ، الجواد ، كما انه يحب المتوكلين عليه ، وتجلي هذه الصفات والاسماء الحسنى في العبد ، يجعله متوكلاً على ربه في العطاء والانفاق ، فلا يكون بخيل النفس ، بل يجود بكل ما اعطاه الله سبحانه ، اما اذا ابتعد الانسان عن الايمان بالله والتوكل عليه ، فانه يكون بخيل النفس.

والصفة الثالثة للعلماء الربانيون ، انهم يبذلون مما رزقهم الله ، وانفاقهم يكون على مستويين:

سراً: فينفقون بشكل سري ، ابتعاداً عن الرياء والسمعه ، خصوصاً اذا كان الانفاق مندوباً ، قال تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبير)[1].

وعلانية : لتجشيع الاخرين على البذل والانفاق ، فمن المستحب ان يعطي الانسان زكاة امواله الواجبة الى الفقراء في العلانية ، وكذلك فان الانفاق في العلانية تحدي لطواغيت الارض المانعين من معونة الناس.

ولا ينحصر انفاق العالم على الصعيد المالي ، بل يشمل بذل علمه ونشره الى من يحتاجه ، وكذلك بذل الجاه في قضاء حوائج المؤمنين ، او حتى بذل الطاقة البدنية.

الصفة الرابعة : التجارة الرابحة

{ يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ}

ان انظار العالم الرباني ترونوا الى نتائج تجارتهم الرابحة ، تلك التي ابرموها مع الله سبحانه وتعالى ، وضمنوا الارباح مسبقاً ، وبذلك يغضوا الطرف عن ارباح زائلة وكاذبة.

لابد ان تتوفر هذه الصفات الاربع ، في العالم حتى يصل الى مستوى خشية الله سبحانه وتعالى.


[1]  البقرة : 271