Search Website

تدبرات المرجع المُدرّسي في سورة (فصلت) شهر رمضان المبارك / 1436 هـ – (الدرس السابع)

تدبرات المرجع المُدرّسي في سورة (فصلت) شهر رمضان المبارك / 1436 هـ – (الدرس السابع)

تدبرات المرجع المُدرّسي في سورة فصلت (حم سجدة).

شهر رمضان المبارك / 1436

الدرس السابع

بسم الله الرحمن الرحيمIMG_8514-copy

[ قُلْ أَ ئنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الْأَرْضَ فىِ يَوْمَينْ‏ وَ تجَعَلُونَ لَهُ أَندَادًا    ذَالِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ(9)وَ جَعَلَ فِيهَا رَوَاسىِ‏ مِن فَوْقِهَا وَ بَارَكَ فِيهَا وَ قَدَّرَ      فِيهَا أَقْوَاتهَا فىِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائلِينَ(10)]

صدق الله العلي العظيم

 

لكل آية او مجموعة من الآيات في كتاب الله سبحانه بصيرة او أكثر ، وفي هذه المجموعة من الايات التي تتمحور حول خلقة السماوات والارض بصيرة هامة ، ولبيانها لابد من التمهيد ببعض الامور:

حقيقة الزمن

الامر الاول الذي لابد من بيانه هو عن حقيقة الزمان ، فقد اختلفت الاقوال بين العلماء في حقيقة الزمان ، اليوم منه والساعة والسنة و..

والذي يبدو لنا ان الزمن ليس حقيقة مستقلةً عن سائر الحقائق ، بل يعني تعاقب الاحداث ، فتعاقب الحوادث تلك الاخرى يشكلها الزمن .. ومن هنا قد يختلف الشعور بالزمن الواحد باختلاف الاحداث فيه ، فاليوم الواحد ان حدث فيه عدة حوادث يحس به الانسان انه طويل ، اما اذا قضاه بالنوم او بلا احداث يشعر به انتهى بسرعة.

وكذلك فإن اليوم الواحد يختلف من مكانٍ الى آخر ، فاليوم في بعض الكواكب اقل من يومنا ، وفي بعضها اطول بكثير ، نظراً لاختلاف سرعة حركتها ، وكذلك في الكرة الارضية ترى اليوم يختلف طولاً وقصراً من فصل الى اخر.

وما نستفيده من الآيات والرويات الشريفة ، في ان الزمن هو جزء من جوهر خلقة الوجود ، وبطبيعة الحال خلقة الانسان ايضاً ، قال الله سبحانه : [ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى وَ الَّذينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُون‏][1]، أي ، وبأجل مسمى.

وقال أمير المؤمنين ، عليه السلام : ” وَ اعْلَمْ أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَطِيَّتُهُ‏ اللَّيْلَ‏ وَ النَّهَارَ فَإِنَّهُ يُسَارُ بِهِ وَ إِنْ كَانَ لَا

يَسِير”[2]

فهو في حالة حركة ما دامت وسيلة حركته الليل والنهار حتى لو كان واقفاً وخاملا. فالزمن – اذاً- جزءً لا ينفك من حقيقة أي موجود في هذا العالم ، بدءً واستمراراً وانتهاءا.

وعي الزمن

والأمر الثاني يكمن في ضرورة وعي الانسان بالزمن ، بمعنى ان يعي ان حقيقة وجوده وحركته مرتبطة بالزمن ، وللزمان تأثير عليها كما ان له تأثير على المحيط عموماً.

واذا ادرك المرء حقيقة تأثير الزمن عليه – حتى على جسمه من دون أن يشعر- فأنه ينظر الى الحياة برؤية مختلفة ، وبالتالي تختلف سلوكياته فيها.

ذلك لأن الانسان ينطلق في سلوكه من خلقه ، و خلقه يتشكل انطلاقاً من رؤيته الى الحياة ، فاذا تغيرت الرؤية تغير الخلق وتغير –بالتبع- السلوك.

[ قُلْ أَ ئنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الْأَرْضَ فىِ يَوْمَينْ‏ وَ تجَعَلُونَ لَهُ أَندَادًا  ذَالِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ]

الاية تندد بالذين كفروا بالله سبحانه الخالق للارض في يومين ، بل ورب العالمين جميعاً ، ثم تبين الاية التالية ان الله قدر اقوات الارض في أربعة أيام ، فما معنى اليوم – بناءاً على ما سبق- ؟

اليوم يكون بمعنى المرحلة ، سواء طالت ام قصرت ، ولا معنى لتحديدها بالساعات الأربعة والعشرين ، لأن اليوم عندنا يختلف من اليوم عند الله سبحانه ، فاليوم عنده كألف سنة مما نعد ، وقد يكون اليوم في الأرض حين خلقها مختلفاً ايضاً.

[وَ جَعَلَ فِيهَا رَوَاسىِ‏ مِن فَوْقِهَا وَ بَارَكَ فِيهَا ]

جعل الله سبحانه الجبال كالمراسي لتثقل الأرض لتستقر ، ويكون مثلها مثل السيارة او السيارة كلما زاد حملها زاد توازنها في الجادة ، او في البحر.

[وَ قَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا فىِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائلِينَ(10)]

ولكن لماذا يومين لخلق الارض واربعة أيام لتعبئتها بالاقوات ، ومجموعهما ستة أيام؟

يبدو ان العدد مقصود ، لحكمةٍ الهية ، فلا يصح ان يقال لماذا لم يكن في عشرة ايام ؟ لأنه لو كان في عشرة ايام لقيل لماذا لم يكن في ستة ايام؟

وهذا العدد هو ثابتٌ محدد ، سواء لكل السائلين.

 

سير الزمن في وعي المؤمن

والبصيرة الهامة التي نستفيدها من هذه الآيات المباركات ، هي ضرورة وعي المؤمن لحقيقة سير الزمن واقترابه الى الآخرة يوماً بعد يوم ، وكما قال الامام الحسين ، عليه السلام : ” يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّمَا أَنْتَ‏ أَيَّامٌ‏ كُلَّمَا مَضَى يَوْمٌ ذَهَبَ

بَعْضُك‏”[3].

فمادام كل شيء يرتبط بالزمن ، وهو في حالة جريان وسير نحو الاخرة ، فلابد ان يهتم الانسان بأخرته ويعمل جاداً من اجلها ويسعى لكسب المزيد من الخير للقيامة.

اللحظة التي انقضت انتهت ولن تعود ، واليوم الذي مضى انتهى واصبح عدماً لا يعود الى يوم القيامة ، وهكذا هي سني العمر تنتهي .. الم يذهب الماضون الى حيث لا عودة ؟

ونحن لسنا بدعاً منهم ، ففي يومٍ نفاجأ بحلول الأجل حيث لا مجال للعمل ، ولا اعطاء فرصة ثانية : [وَ أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَني‏ إِلى‏ أَجَلٍ قَريبٍ فَأَصَّدَّقَ وَ أَكُنْ مِنَ الصَّالِحين‏ * وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَ اللَّهُ خَبيرٌ بِما تَعْمَلُون‏][4].

إنها حقيقةٌ يؤمن بها الجميع ، ولكن تحويلها الى واقع عملي في السلوك اليومي امرٌ صعب ، ولتذليل الصعوبات لابد من الاقتداء بالمعصومين عليهم السلام ، فأمير المؤمنين ، عليه السلام ، لم يكن يفتر من ذكره لله سبحانه وتعالى في أي لحظة من لحظات حياته ، حتى روي أن الحجام كان يريد تخفيف شاربه سلام الله عليه ، وهو مشغولٌ بالذكر ، فطلب من الامام ان يترك الذكر قليلاً كي يتمكن من تخفيف الشارب ، فأبى امير المؤمنين ، عليه السلام ، ذلك.

الاستفادة المثلى من العمر

وفي هذا المجال اوجه بعض التوصيات  للاستفادة المثلى من العمر ،  واخص بالذكر الشباب ، باعتبارهم في مقتبل العمر :

اولاً: ضاعف العمل

لا تقتصر في حياتك على عمل واحد، بل أكثر من الاعمال وضاعفها واجعلها متوازية في التوقيت ، وذلك عبر برمجة لحياتك ، فاذا اردت السفر فخطط لعمل تقوم به فترة انتظارك لرحلتك او في طريقك الى وجهتك ، أو خطط لحفظ القرآن او لتلاوة اذكارٍ خاصة في طريقك الى العمل والمنزل و..

وبهذا الأمر يضاعف الانسان من عمره ، بمضاعفة الانتفاع به ، فاذا عاش سبعين عاماً  يكون كمن قد عمّر مائة واربعين سنة.

ثانياً: الأهم اولا

لا تنشغل بالمهم تاركاً الاهم ، فمن اشتغل بالمهم ضيّع الاهم ، بل عليك ان تقوم باهم واجباتك في الحياة ، لأنه هو الاساس ، كما ان ثوابه اكثر.

فوظيفة طالب العلم الاولى طلب العلم والتفقه في الدين لا شيء آخر ، وكذا وظيفة الطالب الجامعي الاهتمام بدروسه وتعلّمه ، نعم لك ان تعمل بالمهم في فترة استراحتك او تعبك من واجباتك.

وبعبارة اخرى ، ليكن الوقت الذهبي من حياتك منصباً للقيام بالواجب الاهم ، دون غيره ، و لا بأس بالاشتغال بغيره في سائر الاوقات.

وهذا يحملنا على ضرورة الانتخاب الدقيق لكل ما نريد ان نقوم به ، فلابد من تحديد تكليفنا الاهم اولاً ، ومن ثم معرفة سائر الامور في حياتنا ، ويسري هذا الأمر بالنسبة الى كل شيء ،حتى اختيارنا للكتب لابد ان يكون بعناية ودراسة.

ثالثاً: تركيز العمل

للاستفادة من العمر ، لابد من تركيز العمل وتعميقه ، فالناس – مثلا- متساوون في حضورهم للمجالس ، ولكنهم مختلفون في استفادتهم من المطالب التي يطرحها الخطيب على المنبر ، فمنهم من يستفيد استفادة سطحية ومنهم من يتلقى المطلب بعمق.

وقد قال رسول الله ، صلى الله عليه واله : “نَضَّرَ اللَّهُ‏ عَبْداً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَ بَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ، رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى غَيْرِ فَقِيهٍ، وَ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ”[5].

وهكذا يكون تعميق العمل وتركيزة ، بالنسبة الى الدراسة وقرائة الكتب ، والقيام بالاعمال ، وحتى العبادات ، فقد يصلي المرء ركعتين صلاة – بتوجه ونية خالصة- يدخل بهما الجنة والاخر يصرف ليله بركعات – لا توجه فيها ولا اخلاص- دون ان يحصد منها الا العناء والمشقة.

نسأل الله سبحانه ان يوفقنا للاستفادة المثلى من اعمارنا ، وان يوفقنا لكل خير انه وليٌ لذلك ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين.

صفوة القول

  • الزمن حقيقةٌ غير مستقلة بذاتها ، بل متداخلة في اصل وجوهر الوجود .
  • وعي حقيقة الزمن وسرعة جريانه ، تحمل الانسان على تغيير رؤيته تجاه الحياة كلياً وتحمله على العمل والسعي الجاد من أجل الآخرة.
  • للستفادة المثلى من العمر ، على المؤمن ان يضاعف عمله ويشتغل بالأهم و يعمق ما يقوم به من اعمال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سورة الاحقاف: الاية 3

[2] تحف العقول : ص 71

[3] ارشاد القلوب الى الصواب: ج1 ،ص 40

[4] سورة المنافقون : الاية 10-11

[5] الاصول الستة عشر : ص 363