Search Website

ميراث عاشوراء (1) – الامام الحسين عليه السلام ملهم الحياة

ميراث عاشوراء (1) – الامام الحسين عليه السلام ملهم الحياة


بسم الله الرحمن الرحيم

[ إن شرّ الدوابّ عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون * ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون * يا أيها الذين ءامنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه وأنه اليه تحشرون * واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب*][1]

قبل توجهه الى الطف وقف الامام الحسين عليه السلام، في مكة المكرمة بين حشود من حجاج بيت الله الحرام في تلك السنة (سنة ستين من الهجرة)، وبدأ حديثه عن الموت، قائلاً: (خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما اولهني الى اسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف، وخير لي مصرعٌ انا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني اكراشاً جوفاً واشربةً سغبا، لا محيص من يوم خط بالقلم…) ثم قال عليه السلام: (فمن كان منكم موطناً على لقاء الله فليرحل معنا، فإني راحل غداً ان شاء الله).

ان هذه الكلمة من قٍبَل الامام الحسين، عليه السلام، تعتبر قضية مهمة ومعادلة اساسية بين الموت والحياة، اذ قد تكون الحياة اسوء من الموت، وقد يكون الموت طريقاً الى الحياة.

حينما يخاطب الله سبحانه المسلمين، يأمرهم باتباع الرسول، صلى الله عليه واله، لأنه يدعوهم لما يحييهم، والحال ان النبي كان قد دعاهم الى الجهاد والقتال والتضحيات الجسام بالمال والاهل والنفس، فهل هذه مفردات الحياة؟

بلى كانت هذه كلها دعوة الى الحياة، لأن الحياة حياتان.. حياة الجسد والبدن، وحياة الروح والقلب..

ان حياة الروح هي الكرامة، وهي اعز ما لدى الانسان من نعمة، في تحقق له الحرية والعيش السعيد، بل تحقق له كل ما يعيش من اجله في الحياة الدنيا.

ان اهم درس نستفيده من هذا اليوم، اي الاول من محرم الحرام في عام الخامس والثلاثين بعد الالف والاربعمائة من الهجرة النبوية، او ان نفهم المعادلة بين الحياة والموت، ونعرف حقيقة الحياة، وحقيقة الموت.

فهل ان من يعيش تحت سيف الظالم، ويلاقي يومياً المهانة والذل، ويعيش الخنوع لبشرٍ مثله، هل هذا يعد حياً؟ ام الحياة لذلك الذي يرفض الظلم ويعلن رفضه التام للذل والخضوع، حتى لو ادّى الامر به الى السجن والتهجير والقتل، ان الاول يموت الف مرة كل يوم، والاخر يبقى حيّاً وان لاقى الموت.

اننا كمسلمين، علينا ان نشكر رسول الله صلى الله عليه واله وعترته الاطهار عليهم السلام، لأنهم وهبوا لنا الكرامة، وبالتالي وهبوا لنا الحياة، ولولا ذلك، لكنا نعيش الذل والمهانة الى يوم القيامة.

مقتطفات من التاريخ

ان من ينظر الى تاريخ الجزيرة العربية، يكتشف بوضوح النعمة التي وهبها النبي واله للمسلمين، حيث ان الجزيرة العربية كانت ملأى بالموت، فكان الحي يعدّ ميتاً ويلاقي ما هو اشد من الموت بشكل يومي.

–          قبل ايام حدثت حادثة في باكستان، حين اعتدى اثنان ممن نزعت الكرامة من قلوبهم على فتاة، ثم دفنوها تحت التراب وهي تستغيث بهم، وتركوها تحت ركامٍ من التراب.. وبعد ذلك استطاعت الفتاة ان تخرج نفسها من قبرها، ليفتضح امر الجناة ويلاقوا الحكم بالاعدام.

ان الحادثة هذه، ذكرتني بمأساة الفتيات في الجزيرة العربية، حيث كن يلاقين القبر قبل حضن الامهات، فيأدهن الاباء بتلك الصورة الفجيعة.. ان التاريخ لا يذكر لنا تفاصيل تلك الحوادث، الا ان ما هو معلوم بأن جيلاً من الفتياة عدمن الحياة..

هل هذه حياة؟

ام ما جاء به النبي صلى الله عليه واله من عند ربه سبحانه، حيث اعلن النبي رفض شريعته لهذه العادة المقيتة: [ واذا الموؤدة سئلت * بأي ذنبٍ قتلت].

–          كان الناس يتنازعون على اتفه الامور، وتنشأ من ذلك حروباً دامية، قد تطول الى قرون من الزمن، كما في تلك المعركة التي دامت ثلاثمائة عام بسبب محلب ناقة.

هل نعد ذلك حياةً، ام ما جاء به الاسلام حينما قال: [ يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدوٌ مبين][2].

هل يمكن ان نسمي حياةً تلك التي كانت ملأى بالامراض والاوبئة والاخطار؟ ام الحياة هي تلك الحياة الطيبة التي كانت بعد انتشار الاسلام، والتي ضحّى المسلمون في سبيل بناءها، كحمزة وابو عبيدة وجعفر و… ان تضحية هؤلاء كانت لأجل احياء امةٍ كاملة.

الامام الحسين مدرسة الحياة

لقد علمنا الامام الحسين عليه السلام، كيف نعيش، ذلك لأن طريق الحياة الكريمة هو الاستعداد للموت..

نحن كمسلمين نستلهم حياتنا من شهادة ابي عبد الله الحسين عليه السلام.. كيف؟

ذلك لأن الانسان يحب الحياة بطبعه، وحب الحياة اقوى غريزة في داخل كل واحد من المخلوقات عموماً والانسان خصوصاً، و لذلك فنحن بحاجة الى عمل كبير جداً، لايجاد التوازن بين حب الحياة – المغروز عليها الانسان – وبين الاستعداد للموت، وهذا فعلاً، ما قام به الامام الحسين عليه السلام، ليس فقط جعلنا لا نخاف الموت، بل جعلنا نعشق الموت في سبيل الله، ان هذا هو الذي اوصلنا الى الحياة.

من يخاف من الموت يقتل نفسه، لأن خوفه يؤدي به الى الخضوع والركوع امام الطغاة، اما عاشق الشهادة لن يخشى من احدٍ سوى الله سبحانه.

حينما شرّع شاه ايران – رضا خان البهلوي- قانون نزع الحجاب ونشر التبرج والميوعة، قام بجهود كبيرة من اجل تثبيت هذا الامر، حتى انه راح يعدم من يخالف هذا القانون، حتى انه سافر الى مشهد ليلتقي بالمرجع الكبير اية الله السيد يونس الاردبيلي، الذي كان المرجع الاعلى في مدينة مشهد المشرفة، والتقى به بالفعل في حرم الامام الرضا عليه السلام، وطلب منه ان يصدر فتوى تجيز خلع الحجاب.

رفض المرجع رفضاً قاطعاً، وبالمقابل هدده الشاه بالقتل والاعدام، وبعد هنيئة من الصمت قال المرجع للشاه: ان وقعت على الجواز، بمَ اجيب الامام الحسين عليه السلام الذي قتل من اجل الدين، على توقيعي ما تريد لابقى في الحياة؟

وأصر المرجع على مبدئه، فلم يوقع، ولم يستطع الشاه ان ينفذ فيه وعيده، خوفاً من المجتمع.

والكل يعلم ان السبب الرئيس في استشهاد السيد محمد باقر الصدر، كان رفضه اصدار فتوى الحرب، بعد ان طلب الطاغية منه ذلك، واصراره على الرفض، بل وبصقه – وهو في السجن – في وجه الطاغية..

ان العلماء من امثال هؤلاء، لهم حق الحياة على الناس، لأنهم ضحوا – كما ضحى الامام الحسين عليه السلام – من اجل حياة الناس، وامثال الشهيد الصدر الاول والثاني، الكثير من العلماء.

كان اية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي، ينقل قصته في السجن في بغداد، حيث كان السجانون يقومون بحفلة اعدام كل ليلة، يقومون بجلب كل المعتقلين، واعدام المحكوم عليهم بالاعدام امام مرآهم، بالشنق تارةً وبالرمي بالرصاص اخرى، ليخلقوا فيهم الخوف والرعب.

وفي يوم من الايام طلب الآمر السيد، واعطاه قائمةً فيها مجموعة من الاسماء، ليقرأ الاسماء هذه في الاذاعة الرسمية، معلناً انهم يشتركون معه في التجسس لاسرائيل، يقول السيد: حين شاهدت القائمة وجدتها تحمل اسماء كبار العلماء في العالم الاسلامي، بدءاً من باكستان مروراً بايران وانتهاءاً بالعراق، فرفضت ان اقوم بما يريده الرجل، فقال الآمر استعد للاعدام يوم غد.

وبالفعل استبدلوا زنزانته من غد، والبسوه ثياب الاعدام، واتوا به الى فرقة الاعدامات، ولكن اتصالاً هاتفياً حال دون ان يعدم هناك.

وقف هذا السيد في كربلاء ليلة ميلاد الامام الحسين عليه السلام هاتفاً:

واسحق جباه الظالمين مردداً ** لا السجن يرهبني ولا الاعدام

لقد بقي العلماء مستطيلين على التاريخ، متحدين للطغاة، لا لأنهم لا يخشون الموت، بل لأنهم كانوا يعشقون الشهادة في سبيل الله، وكان الطغاة على علم بالامر فلم تكن بيدهم حيلة تجاه الامر.

ينقل عن المرجع الكلبايكاني، ان رجلاً قال له: ” اتمنى ان استشهد وانا نائم “، فاجابه السيد: ” اما انا، فأتمنى الشهادة وانا اتلو القرآن الكريم”.

وليس بالضرورة ان من يعشق الشهادة يموت سريعاً، بل ان علمائنا عاشوا سنيناً مديدة، ملؤها العز والكرامة والعطاء.

وحينما تكون القيادة بيد رجال يعشقون الموت، فإن الامة تكون هي الاخرى كريمة، تأبى الضيم والظلم والخنوع للطغاة. وهذا الدرس تعلمناه من ابي الضيم، سيد الشهداء عليه السلام، حينما قال: (إني لا ارى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما).

واستمر الامام في اعطاءه هذا الدرس لاصحابه وشيعته، فحينما خفق سلام الله عليه خفقةعلى مركبه في طريق كربلاء، استرجع، فسأله ابنه علي الاكبر عليه السلام، لمَ استرجعت يا ابه؟

فقال عليه السلام: سمعت هاتفاً يقول: يسير القوم والمنايا خلفهم.

قال علي الاكبر: يا أب! اولسنا على الحق؟

فقال عليه السلام: بلى.

فقال علي لوالده: اذاً لا نبالي اوقعنا على الموت، ام وقع الموت علينا..

انتقلت هذه الشجاعة من القيادة الى القاعدة، من المراجع الى المؤمنين في كل مكان، وحينما نرى اليوم شبابنا يستطيلون على الموت في كل الاصعدة، ويتسابقون الى الشهادة في كل مكان، لأن ذلك درسٌ تعلموه من قياداتهم الربانية، ولولا ان العلماء يمنعون الشباب بحكمتهم وعدم حبهم للفتنة، ودعوتهم للسلام، لولا ذلك لرأيتم من الشباب العجب العجاب.

بعد ايام سيكون ربيع الشهادة، حيث يزحف الملايين الى كربلاء، سلوا الشباب عن امانيهم في الحياة.. استمعوا الى هتافاتهم (لبيك يا حسين) و (ابد والله ما ننسى حسيناً) تخرج من قلوبهم قبل حناجرهم، ان ذلك دليلٌ على عشقهم للشهادة في سبيل الله.

لقد استشهد الامام الحسين عليه السلام، ليعلمنا كيف نحيى، استشهد ليبث في قلب كل واحدٍ منا حب الشهادة، وروح الكرامة، وحب الدين.

وبقي الامام يعلمنا هذا الدرس،حتى اخر لحظة من حياته الشريفة، حيث راح يدعوا لشيعته ويستغفر لهم وهو ممدد على بوغاء كربلاء.. ومعنى ذلك ان الامام يعلن انتهاء مسؤوليته الشخصية، وبدء مسؤولية شيعته ومحبيه في هذه المسيرة الربانية، فقد عاش اسلافنا وعشنا نحن وسنعيش بكرامة وعزة، مستمدينها من الامام الحسين عليه السلام.

وبقاء هذا الدرس، رهين بقاء شعائر الامام الحسين عليه السلام، فما بقيت هذه الشعائر بقي المسلمون بخير، فلا يمكن للصهاينة والملحدين والكفار، ان يهزموا المسلمين.

وكلما اقتربنا من نهج ابي عبد الله عليه السلام كلما استطعنا ان نحقق المزيد من اهدافه عليه الصلاة والسلام.

نسأل الله ان يمن على المسلمين في كل مكان بتحقيق الاهداف المثلى في الحياة، ونسأله ان يرزقنا الكرامة في الدنيا والاخرة.


[1] الانفال: 22-25

[2] البقرة: 208

شاهد الكلمة الكاملة من هنا