Search Website

ميراث عاشوراء (4) – المجتمع الحسيني

ميراث عاشوراء (4) – المجتمع الحسيني

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله سبحانه: (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ (1) يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذينَ يُقاتِلُونَ في‏ سَبيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4) وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَني‏ وَ قَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقينَ (5)) [1]

وقال سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام:”اعْتَبِرُوا أَيُّهَا النَّاسُ بِمَا وَعَظَ اللَّهُ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ سُوءِ ثَنَائِهِ عَلَى الْأَحْبَارِ إِذْ يَقُولُ‏ لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ‏ وَ قَالَ‏ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ‏ إِلَى قَوْلِهِ‏ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ‏ وَ إِنَّمَا عَابَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ مِنَ الظَّلَمَةِ الَّذِينَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمُ الْمُنْكَرَ وَ الْفَسَادَ فَلَا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ ذَلِكَ رَغْبَةً فِيمَا كَانُوا يَنَالُونَ مِنْهُمْ وَ رَهْبَةً مِمَّا يَحْذَرُونَ وَ اللَّهُ يَقُولُ- فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ‏ وَ قَالَ‏ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَبَدَأَ اللَّهُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةً مِنْهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهَا إِذَا أُدِّيَتْ وَ أُقِيمَتِ اسْتَقَامَتِ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا هَيِّنُهَا وَ صَعْبُهَا وَ ذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ دُعَاءٌ إِلَى الْإِسْلَامِ مَعَ رَدِّ الْمَظَالِمِ وَ مُخَالَفَةِ الظَّالِمِ وَ قِسْمَةِ الْفَيْ‏ءِ وَ الْغَنَائِمِ وَ أَخْذِ الصَّدَقَاتِ مِنْ مَوَاضِعِهَا وَ وَضْعِهَا فِي حَقِّهَا”.

حين تقف امام ضريح سيد الشهداء عليه السلام تعلن انه عليه السلام اقام الصلاة واتى الزكاة:”أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ‏ الصَّلَاةَ وَ آتَيْتَ الزَّكَاةَ وَ أَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَر”[2]. ولعمري من هو أعظم اثراً واكثر وقعاً في أمره بالمعروف والنهي عن المنكر من سيد الشهداء عليه السلام؟

بين القول والعمل

ان هناك فجوة تحصل بين القول والعمل، بين الادعّاء والحقيقة، بين التمني والواقع، وهذه الفجوة تحدث عند الفرد والمجتمع على حد سواء.

فمن كان من الناس يحمل روحاً شفافة، وقلباً مفعماً بالايمان، تضيق عنده هذه الفجوة، فهو يقول ما يفعل ويفعل ما يقوله، قال تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْديلا)[3]. والصدق يعني التطابق بين القول والفعل.

ولكن قد تخور عزيمة الانسان كفرد وكمجتمع، وهذا ما حدث فعلاً عند اهل الكوفة، حيث خارت عزيمتهم وكذبوا ما واعدوا الله عليه، فهم قالوا ووعدوا وكتبوا الرسائل، وبايعوا رسول الحسين عليه السلام، ولكنهم تزلزلوا عن وعودهم حين سمعوا بشائعة جيش الشام، الذي ذاقوا بأسه من قبل، دون ان يتثبتوا من امر الجيش، فضلاً من ان يعرفوا ان جيش الشام في زمن معاوية يختلف عنه من جيش الشام في زمن يزيد، الذي لا يتمتع بحكم ثابت كأبيه.

وحين سأل الامام الحسين عليه السلام، فرزدقاً الذي كان بيده عصب المجتمع الكوفي، لمكانته الاجتماعية، و تاريخه العريق، وايمانه بمذهب اهل البيت عليهم السلام، سأله الامام: (ما حال الناس بالكوفة؟)[4]، فاجاب:”قلوبهم معك وسيوفهم عليك”.

جاء الامام الحسين عليه السلام، ليردم هذه الفجوة، ويضيقها عند الفرد والمجتمع، واذا ما تأملنا ايات الكتاب واقوال الامام الحسين التي توجنا الحديث بها، لوجدنا انها ترموا الى ردم الفجوة بين القول والفعل في الامة.

قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ)، ان الله سبحانه يحتقر العبد الذي يقدم الكلام فحسب، دون ان يطبق ما يقوله، ويخفي وراء ادعاءاته روحه الضعيفة ونفسه المهانة، واذا احتقره الله فلا مكرم له، وبذلك تكون امة كهذة، امة ذليلة نهزة للطامع، مثلها مثل القصعة التي تتكالب عليها الامم، كحال الامة الاسلامية اليوم.

نعم ؛ ان الله يحتقر من يقدم الكلام، ويحب من يقاتل في سبيل الله صفاً، و يقدم التضحيات ولا يكتفي بالشعارات: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذينَ يُقاتِلُونَ في‏ سَبيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ*).

وعليك ايها المؤمن ان تكون مقاتلاً في صفوف الجهاد في سبيل الله، واذا احسست ان عزيمتك بدأت تخور، وروحك تسير نحو الضعف، فعليك بالاصطفاف مع اصحابك المؤمنين، حينذاك لا يمكن لاحد ان يخترق صفوفكم الموحدة والمرصوصة، ويكون عاجزاً عن تفجير نقاط الضعف فيكم.

وبعد بيان هذه الحقائق، يضرب الله لنا مثالاً من ارض الواقع فيقول سبحانه: (وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَني‏ وَ قَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقينَ *).

كان بنو اسرائيل يذوقون الامرّين من جور فرعون وظلمه، و يعيشون حياة الذل والمهانة، حتى لم يعودوا يثقوا بانفسهم وطاقاتهم، حتى بعد ان جاء اليهم النبي موسى عليه السلام.

بعث النبي اليهم ليرتقي بهم، ويحولهم من امة مهانة، الى امة عظيمة، ولكنهم لم يستوعبوا ذلك لمهانة نفوسهم، فراحوا يعصون النبي ويخالفون اوامره، ويشككوا في تعاليمه، فقال لهم النبي (لم تؤذونني وقد تعلمون اني رسول الله اليكم)، فلم تكن حركة النبي حركةً عفوية، جاء بها من تلقاء نفسه، بل كانت حركة ربانية.

(فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم..) ولكنهم انحرفوا عن قيادتهم فازاغ الله قلوبهم.

ان من ينحرف عن قيادته الرسالية ينحرف عن مبائده ايضاً، لأن القيادة هي التي تجسّد المبادئ والقيم.

وهكذا كان الامر بالنسبة الى بني اسرائيل مع النبي عيسى عليه السلام، حيث لاقى النبي منهم كما لاقى من قبله النبي موسى من تكذيب وعصيان و..

ثم يضرب لنا الرب مثالاً لمن اتبع القيادة، وانتصر بسبب اتباعه لها والتسليم لأوامرها: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصاري إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَني‏ إِسْرائيلَ وَ كَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذينَ آمَنُوا عَلى‏ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرين‏)[5].

هذه هي نهاية العمل في سبيل الله، (اي الانتصار) اما البداية فكانت المقاتلة ضمن الصفوف المرصوصة، و الله ينصر من ينصره (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُم‏)[6].

إن الامام الحسين، جاء بمخطط لردم الفجوة بين القول والفعل، وبالفعل فقد بثّ عليه الصلاة والسلام روح العمل والإقدام في الامة الاسلامية، ليس في يومه فحسب، بل استمرت هذه الروح الى يومنا الحاضر، حيث تتزود الامة الاسلامية كل عام بهذه الروح الحسينية.

الهيئات الحسينية نموذج من المجتمع الحسيني

لقد قدم الامام الحسين عليه السلام الى كربلاء، حاملاً معه الاهل والأصحاب والأطفال، بينما كان بإمكانه ان يخرج من مكة وحيداً، ويقاتل وحيداً، ويستشهد في سبيل الله وحيداً، كما فعل ذلك النبي يحيى بن زكريا عليه السلام، الذي طالما ذكره الامام الحسين، عليه السلام، في طريقه الى كربلاء.

يا ترى ما هي الحكمة من حمل الامام للنساء والاطفال، حتى كان الامام قد حمل الاطفال اليتامى (كيتامى الامام الحسن المجتبى عليه السلام)؟

إن الامام قد أحلّ البيعة عن اعناق أصحابه، وطلب منهم الرحيل، بأن يتخذوا الليل جملاً، وفي مقابل ذلك راسل الامام افراداً بأشخاصهم طالباً منهم الحضور، مثل حبيب بن مظاهر، و يطلب من العثماني (زهير بن القين) ان ينصره، او النصراني (وهب) يدعوه الامام ليكون نصيراً له..

ما هي الحكمة في هذا الفعل من الامام عليه السلام؟

ان الامام بفعله ذاك، اراد ان يشكل المجموع، كتلةً صلبه قوية في ذات الله، لتكون قدوةً لكل كتلة تريد العمل الاصلاحي في سبيل الله.

و في يومنا الحاضر، تتمثل هذه الكتل المباركة، في الهيئات الحسينية.

ماذا تشكل هذه الهيئات، وكيف يمكنها ان تكون ترجمة عملية للآية الرابعة من سورة الطف؟ و كيف لها ان تشكل القناة الموصلة بين واقعنا وبين الامام الحسين في عام الواحد والستين.

للإجابة على هذا السؤال لابد ان نقول، ان الدين جزءان:

الجزء الاول: ما يشكل علاقتك كفرد بربك العزيز، فلو كنت على قمة جبل شاهق فلابد ان تكون ملتزماً بتعاليم الدين، من صلاة وصيام وتعبد لله عزوجل.

الجزء الثاني: والجانب الاخر من الدين هو الجانب الاجتماعي والسياسي والحضاري، وهذا الجزء من الدين، لا يمكن ان يفصل عنه، ومن زعم انه يلتزم بالدين، ولكنه يرفض – في نفس الوقت – الالتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، او لا يمانع من انتشار الظلم والفساد وتسلط الانظمة الجائرة، او.. على مثل هذا ان يجدد النظر في تدينه.

ولا يكفي للواحد ان يلتزم بالجانب الفردي من الدين، فقد روي في الاثر ان مؤمناً يدخل الى قبره، فيجيئه الملكان ويخبرانه انه يستحق مائة سوط من نار، فلا يزال يعالج معهم ويستعين بحسناته، حتى يصل العدد الى سوط واحد، ويقولون له، لابد من هذا السوط. وحين يسألهم عن سببها، يقولان له، لركعتي فريضة تركتهما عامداً، ولمظلوم ظلم في حضرتك فلم تنصره، فيضربانه ويمتلأ قبره ناراً الى يوم القيامة.

نعم، الدين يتمثل في الجانبين الفردي والاجتماعي، لا يجوز ترك جانب والأخذ بالآخر، وفي خطبته بيّن الامام الحسين عليه السلام، ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة لتطبيق كل الشرائع.

وليس المراد من النهي عن المنكر، هو نهي من يقوم بافعال مشينة في المجتمع المؤمن فحسب، بل حتى مقاومة الطغاة والنهي عن ظلمهم وجورهم، هو نهي عن المنكر، وهو واجب شرعي.

يقول عليه السلام:”اعْتَبِرُوا أَيُّهَا النَّاسُ بِمَا وَعَظَ اللَّهُ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ سُوءِ ثَنَائِهِ عَلَى الْأَحْبَارِ إِذْ يَقُولُ‏ لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ‏ وَ قَالَ‏ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ‏ إِلَى قَوْلِهِ‏ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ‏ ‏”.

إن الله قد وعظ اولياء بصورة غير مباشرة في كتابه، عبر بيان مصير الاحبار الذين لم يلتزموا بواجباتهم تجاه الدين والمجتمع، حيث تركوا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر رغبة في عطاء السلطان ورهبة من جورهم وسطواتهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله:”إذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ‏ فِي أُمَّتِي فَلْيُظْهِرِ الْعَالِمُ عِلْمَهُ‏ فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ”[7].

فكان عليهم ان يظهروا علمهم ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر فلم يفعلوا ذلك، وعاب الله عليهم ذلك، قال الامام عليه السلام:”وَ إِنَّمَا عَابَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ مِنَ الظَّلَمَةِ الَّذِينَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمُ الْمُنْكَرَ وَ الْفَسَادَ فَلَا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ ذَلِكَ رَغْبَةً فِيمَا كَانُوا يَنَالُونَ مِنْهُمْ وَ رَهْبَةً مِمَّا يَحْذَرُونَ وَ اللَّهُ يَقُولُ- فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ”.

وفي الحقيقة فان الجانب الاجتماعي اهم من الجانب الفردي، ومن هنا ذكرت الاية في سورة الصف من يقاتلون في سبيل الله بصيغة الجمع لا الافراد.

والهيئات الحسينية هي تلك الصفوف التي لابد ان توفر في نفسها القدرة على تطبيق الاسلام بجانبيه الفردي والاجتماعي، وتضم في داخلها كل الفئات من ابناء المجتمع.

ولا بأس بأن اذكر هنا القصة التي نقلها لي احد اصحاب الهيئات الحسينية في احدى المدن الكبيرة، حيث قال ان هيئةً حسينية كانت في المدينة، ولكنها لم تكن تقبل العضوية الا من الملتزمين بالمندوبات، فضلاً عن الواجبات، وبذلك لم تكن تقبل الشباب الذي عنده هفوات، او عدم التزام تام بالاحكام الدينية.

فجاء بعضٌ من هؤلاء الشباب الى هذا الرجل، وشكوا اليه امرهم، فهم محبون لسيد الشهداء عليه السلام، وهم يريدون الاشتراك في الهيئات الحسينية.

يقول الرجل، فقررت ان اؤسس هيئة واضم كل الشباب من هذا النوع، وبالفعل تشكلت الهيئة، وبعد فترة من الزمان، صار هؤلاء الشباب من الملتزمين بالتعاليم الدينية بشكل كبير، كل ذلك ببركة هيئة الامام الحسين عليه السلام.

إن الهيئة الحسينية المطلوبة هي تلك التي تنصهر فيها كل المحسوبيات والحزبيات، فيتساوى فيها الفقير والغني، والعالم والجاهل، الصغير والكبير، والرئيس والمرئوس، حتى ان المرجع الكبير يفتخر بخدمته لزوار الامام ومعزيه، و الوزير يعتبر نفسه خادماً للامام الحسين عليه السلام.

وبهذه الروحية، تكون الهيئات مركزاً لتطبيق هذا الجانب من الدين، اي الجانب الاجتماعي، واعادة روح الامة الاسلامية عند الناس.

وهنا اود ان اوجه توصيات لهذه الهيئات المباركة والمحترمة، تلك الهيئات التي تحيطها ملائكة الرحمة حسب ظني، حيث لا تجد صاحب موكب او خادم في هيئة الا وقد حصل له الكرامات تلو الكرامات، اوجه لهم بعض التوصيات:

الوصية الاولى:

عدّوا انفسكم – دائماً- انصاراً للامام الحسين عليه السلام، واقرءوا تاريخ اصحابه وانصاره، فمن حبيب الذي كان فقيهاً يتلو القرآن الكريم كله في يوم وليلة، ومن كان جون الذي وضع الامام الحسين عليه السلام وجهه على وجهه، فصار ابيض اللون طيب الريح؟

ادرسوا حياة ابي الفضل العباس، وسيرة علي الاكبر، وشموس بني هاشم، اجمعوا انفسكم تحت هذه الراية لتكونوا منهم وتحشروا معهم.

الوصية الثانية:

قيسوا انفسكم دائماً، باصحاب الامام الحسين عليه السلام، فمن صفات اصحاب الامام الحسين وشيعته انهم يشفعون للمذنبين فيقبل الله شفاعتهم، ففي الحديث: (وَ أَنَّ لَهُ شِيعَةً يَشْفَعُونَ‏ فَيُشَفَّعُون‏)[8].

وبذلك، لابد ان تكون علاقاتكم ببعضكم البعض، كعلاقة اصحاب الامام الحسين، التي كانت في اسمى درجات العلاقة الايمانية، فما هي ملامح هذه العلاقة؟

ان المسلم يتصل باخيه المسلم، بصلات اربع:

الاولى: التواصي بالصبر والخير والمرحمة، ويتمثل التواصي في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وارشاد الجاهل، والدعوة الى الله سبحانه وتعالى. وتؤدي هذه العلاقة بتنمية العزم عند المؤمن وتقوية ايمانه، وترتفع بالانسان الى اعلى عليين.

الثانية: التشاور في الامور كلها، فلابد ان تعودوا انفسكم على التشاور، فإن التشاور تنمي عقل الانسان.

الثالثة: التعاون على البر والتقوى، فهو يشد العمل ويجعله مباركاً، فعودوا انفسكم بان لا تقوموا بعمل الا وتشركون غيركم فيه ليشترك معك في الاجر والثواب.

الرابعة: الاحسان الى الاخرين، فكروا دائماً بان تعطوا اكثر مما تأخذوا.

ان هذه الصفات لابد ان تتجلى في ابناء الهيئات الحسينية المباركة.

الوصية الثالثة:

انكم تعملون بالاعمال الخدمية، من اطعام الزائر وسقيه، وتوفير السكن للمعزين و.. وان هذه الاعمال مباركة وضرورية، استمروا بهذه الامور، واضيفوا اليها اعمالاً اخرى، لتكون الهيئة الحسينية مركزاً للخدمات الاجتماعية بكل الوانها.

الوصية الرابعة:

لتكن بين اعضاء الهيئة الواحدة تعاملات اقتصادية، فليشترك بعضكم مع بعض في اطار التعاون الاقتصادي والاعمال التجارية، وليكن جزءاً من الارباح من نصيب الهيئة، والاخر نصيباً شخصياً لكم. وان الجزء الذي تجعلوه للهيئة سيبارك في مشاريعكم وتزداد ارباح المشروع، ببركة الهيئة الحسينية.

الوصية الخامسة:

على الهيئات الحسينية ان تلعب دوراً هاماً في القضايا السياسية المرتبطة بمصير الامة. فعلى ابناء الهيئات ان يتشاوروا جميعاً وابحثوا عن صلاح الامة، وليكن تشاوركم تحت راية ابي عبد الله الحسين، ومن اجل الله.

نرجوا ان تكون هيئاتنا الحسينية تلعب هذه الادوار في الامة الاسلامية، لترتقي الامة وتقترب الى الاهداف الحسينية.


[1] الصف: 1- 5

[2] الكافي: ج4،ص 574

[3] الاحزاب: 23

[4] دلائل الامامة: ص 182

[5] الصف: 14

[6] محمد: 7

[7] الكافي: ج1، ص 54

[8] الامالي (للصدوق): 140