
ميراث عاشوراء (6) – الامام الحسين (ع) رائد الحضارة والمدنية الاسلامية
05 Jun 2023بسم الله الرحمن الرحیم
{ وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنينَ (55) وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) ما أُريدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَ ما أُريدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتينُ (58)}[1].
وقال سيدنا ابوعبد الله الحسين عليه السلام:”اللَّهُمَ انْتَ مُتَعالِي الْمَكانِ، عَظِيمُ الْجَبَرُوتِ، شَدِيدُ الْمُحالِ، غَنِيٌّ عَنِ الْخَلائِقِ، عَرِيضُ الْكِبْرِياءِ، قادِرٌ عَلى ما يَشاءُ، قَرِيبُ الرَّحْمَةِ، صادِقُ الْوَعْدِ، سابِغُ النِّعْمَةِ، حَسَنُ الْبَلاءِ، قَرِيبٌ إِذا دُعِيتَ، مُحِيطٌ بِما خَلَقْتَ.
قابِلُ التَّوْبَةِ لِمَنْ تابَ الَيْكَ، قادِرٌ عَلى ما أَرَدْتَ، وَ مُدْرِكٌ ما طَلَبْتَ، وَ شَكُورٌ إِذا شُكِرْتَ، وَ ذاكِرٌ إِذا ذُكِرْتَ، ادْعُوكَ مُحْتاجاً، وَ ارْغَبُ الَيْكَ فَقِيراً، وَ افْزَعُ الَيْكَ خائِفاً، وَ أَبْكِي الَيْكَ مَكْرُوباً، وَ اسْتَعِينُ بِكَ ضَعِيفاً وَ أَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ كافِياً.
احْكُمْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا، فَانَّهُمْ غَرُّونا وَ خَذَلُونا وَ غَدَرُوا بِنا وَ قَتَلُونا، وَ نَحْنُ عِتْرَةُ نَبِيِّكَ وَ وُلْدِ حَبِيبِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، الَّذِي اصْطَفَيْتَهُ بِالرِّسالَةِ وَ ائْتَمَنْتَه عَلى وَحْيِكَ، فَاجْعَلْ لَنا مِنْ أَمْرِنا فَرَجاً وَ مَخْرَجاً بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ”[2].
هذه الكلمات الرائعة اطلقها الامام الحسين عليه السلام، في يوم العاشر من محرم الحرام، وهي تحمل ذات المعاني التي احتواها دعاءه في يوم عرفه على يمين جبل الرحمة، وهي تعبر عن الخط القويم الذي سلكه الامام الحسين، عليه السلام، في حياته، منذ ولد وحتى استشهد. فماذا تعني هذه الكلمات؟ وكيف ان نستوعب دروس ثورة الامام الحسين، عليه السلام، ونستوعب الايات القرآنية التي كانت سيرة الامام انعكاساً لايات القران الكريم، والتي تجلت في قلبه المؤمن الصادق الوفي.
رأس القيَم
الانسان ؛ الى اي دين انمتى، وفي اي ارض سكان، وفي اي زمان عاش، فانه يملك قيماً واهدافاً يؤطر حياته وفقها، فما هي القيم الحقيقية التي لابد ان يتمسك بها الانسان؟
هناك قيم كثيرة تنظم مسيرة الانسان، كقيمة الوفاء وقيمة الصدق وقيمة الاحسان، وكذا قميتي التضحية والاباء و..
ولكن على رأس القيم هي قيمة العبودية لله سبحانه وتعالى، والاية التي ذكرناها في مقدمة الحديث، هي بيان للهدف الاساس من خلقة الانسان، وان حياة الناس لابد ان تحقق هذه القيمة، حيث قال تعالى: (وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ). واذا سألت الامام الحسين عليه السلام عن تفسير الاية لاجابك بقوله:”أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ مَا خَلَقَ الْعِبَادَ إِلَّا لِيَعْرِفُوهُ فَإِذَا عَرَفُوهُ عَبَدُوهُ فَإِذَا عَبَدُوهُ اسْتَغْنَوْا بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَنْ سِوَاه”[3].
تأملوا في كلام الامام وتفسيره لهذه الاية التي هي محور مباحث القيم في القرآن الكريم.
إن رأس القيم الاخلاقية عند الانسان يتمثل في ان يعبد الانسان الله ولايعبد غيره، لأن القلب الواحد لا يمكن ان يجتمع فيه حبان وعبادتان، فلا يقبل من احدٍ ان يدخل غير الله في العبادة، والا فلن يقبل الله اعماله، وكما ورد في الحديث عن الامام الرضا عليه السلام:”يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ مَنْ أَشْرَكَ مَعِي غَيْرِي فِي عَمَلِي لَمْ أَقْبَلْ إِلَّا مَا كَانَ لِي خَالِصاً”[4]، معنى ذلك، ان الله يكله الى الذي عبده دون الله عزوجل.
ان مشكلة الانسان تكمن في شركه بالله، ففي كثير من الاحيان يعبد الانسان ربه ويعرفه ايضاً، ولكنه يشرك بالله شرك عبادة، شرك خضوع وتسليم، وهذا العمل هو الذي يهدم كرامة الانسان، فمن يجعل جبهته تحت قدم طاغوت وجبار فإنه يسحق كرامته، ويكون اسوء من وحش، لأن الوحوش بدورها تعبد الله ويدعونه دون سواه، قال تعالى: (أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبيحَهُ وَ اللَّهُ عَليمٌ بِما يَفْعَلُون)[5]، فلا شيء في الطبيعة الا وهو خاضعٌ لله سبحانه، بل حتى الانسان الذي اوتي الحرية في اختيار العبودية، يلجأ الى عبادة الله سبحانه في البأساء.
بل ان يعيش الانسان حياةً كحياة الوحوش خيرٌ له من ان يعيش الذل والهوان تحت نير الظالمين وسطواتهم، ذلك لأن الله سبحانه لم يخلق في الحمير والوحوش كرامةً او ارادة، ولكنه اعطى الانسان هذه النعم العظيمة، وسخّر له ما في البر والبحر وجعل كل شيء لأجله، فكيف يسحق الانسان هذه النعم ويسجد لغير الله عزوجل؟
ان من يشرك بالله سبحانه، ويخضع لغير الله، يفقد كرامته، لأن الذي يأخذ مالاً او منصباً او شيئاً من الظالم، فإنه يعطي اكثر مما يأخذه، فهو يعطي كرامته وماء وجهه وشخصيته، وهكذا كانت المسألة مذلة حتى عن الطريق، ففي الحديث عن امير المؤمنين عليه السلام:”السّؤال مذلّة”[6]، و عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ،عليه السلام، قَالَ:”إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَوَّضَ إِلَى الْمُؤْمِنِ أُمُورَهُ كُلَّهَا وَ لَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِ أَنْ يُذِلَ نَفْسَهُ أَ لَمْ يَرَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ هَاهُنَا- وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ عَزِيزاً وَ لَا يَكُونَ ذَلِيلًا”[7].
ومن هنا يقول الامام الحسين عليه السلام:” فَإِذَا عَبَدُوهُ اسْتَغْنَوْا بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَنْ سِوَاه”.
إن اعظم صراعٍ شهده التاريخ الانساني منذ ان خلق الله ادماً، كان صراعاً على كرامة الانسان، وكل من ناهض الطغاة وحاربهم كان من اجل اثبات كرامته واستقلاله وحريته، وهكذا كانت حركة الامام الحسين، عليه السلام، حركة مثبته للكرامة الانسانة، حيث قال عليه السلام:“فَإِنِّي لَا أَرَى الْمَوْتَ إِلَّا سَعَادَةً وَ لَا الْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا بَرَما”[8].
ولذلك فإن من الدروس الاساسية في مدرسة عاشوراء تتمثل في ان يتحسس الانسان كرامته، وانه خلق عبداً لله لا لغيره من المخلوقات، لا أن يقوم بعبادة الشمس والقمر والطبيعة و.. حتى ان بعض الناس يعبدون اشياءاً يستحقرها العقل ويستقبح ذكرها.
ان اعظم رجل في الهند في القرن الماضي، كان يعبد البقر، ولا يأكل طعاماً الا اذا وضع فيه قطرات من بول البقرة المقدسة، ترى الى اي حضيضٍ يصل من يترك عبادة الرب؟
نعم ؛ ان الشيطان لا يوصل الانسان الى هذا الحضيض مباشرةً، ولكنه يسحبه اليها خطوةً فخطوة، وقد حذرَّنا الرب من خطوات الشيطان وهمزاته قائلاً: (.. وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبين)[9].
مناجاة الامام
لقد ناجى الامام الحسين عليه السلام، ربه بكلمات فائقة الروعة، في حالة في غاية الصعوبة والوحشة، حيث احاط به ثلاثون الفاً يريدون قتله، ولم يكن بينه وبين الشهادة الا لحظات قلائل، وقد تراءى له كيف ان القوم سيحرقون خيامه، ويسلبون ثيابه، حتى انه طلب ثياباً لا يطمع فيها احد ليلبسها لكيلا تسلب.
انه يناجي ربه في هذه اللحظات قائلاً:”اللَّهُمَ انْتَ مُتَعالِي الْمَكانِ، عَظِيمُ الْجَبَرُوتِ، شَدِيدُ الْمُحالِ، غَنِيٌّ عَنِ الْخَلائِقِ، عَرِيضُ الْكِبْرِياءِ، قادِرٌ عَلى ما يَشاءُ”.
تخرج الكلمات هذه من قلب اتصل بالله سبحانه، فتعلق به وترك ما دونه، ويذكر الامام عظمة الرب في كلماته لتنهار امام الانسان تلك المظاهر البراقة، حيث الجيش اللجب، بكثرة عدده وقوة عدته.
ان دعاءه عليه السلام لم يكن لنفسه، بل ليعلمنا كيف نتعامل في صعاب الحياة، والا فان قلب الامام الحسين كان منبعاً للتوحيد، ومركزاً للايمان بالله سبحانه منذ ان خلقه الله من نور عظمته.
حتى انه الامام لم يشكُ ما نزل به لاحدٍ سوى ربه، شاكياً الى ربه خداع القوم وغدرهم، وقتالهم له بعدما استقدموه وطلبوا منه ان يكون اميراً عليهم، طالباً الفتح من الله عزوجل والحكم بينه وبينهم بالحق قائلاً:”احْكُمْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا، فَانَّهُمْ غَرُّونا وَ خَذَلُونا وَ غَدَرُوا بِنا وَ قَتَلُونا، وَ نَحْنُ عِتْرَةُ نَبِيِّكَ وَ وُلْدِ حَبِيبِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، الَّذِي اصْطَفَيْتَهُ بِالرِّسالَةِ وَ ائْتَمَنْتَه عَلى وَحْيِكَ، فَاجْعَلْ لَنا مِنْ أَمْرِنا فَرَجاً وَ مَخْرَجاً بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ”.
وفعلاً فقد فتح الله سبحانه للحسين كما طلب منه، فهذا الامام الحسين عليه السلام يزداد اسمه تالقاً وذكره سناءاً كل يوم، ولا تزداد قضيته الا انتشاراً في العالم وانتصارا، وقد بقيت كرامة الحسين عليه السلام شامخة ورايته عالية رغم مرور الايام وكرور الدهور.
تجليات الكرامة في الحضارة الاسلامية
واذا جعلنا الكرامة هدفاً سامياً لانفسنا، فكيف لنا بالوصول الى هذه الغاية؟ وما هو السبيل الى تحقيقها؟
السبيل الى ذلك، ان نجعل من الامام الحسين عليه السلام وقضيته، عنواناً للكرامة، ونجعلها نبراساً للحضارة والمدنية الاسلامية.
فكرامة الانسان تعني عبادة الله سبحانه، والكفر بغيره، ومن اجل تحقيق ذلك فلابد ان يترسخ سعي الانسان لتحقيق هذا الامر – عدم الخضوع لغير الله – على جميع الاصعدة ومختلف المجالات الحياتية.
الاستقلال الغذائي طريق الكرامة
ان الكرامة تتعارض والفقر، فلابد من الاستغناء عن الغير لتحقيقها، ومن هنا فان الانسان الجائع لا يمكنه ان يكون كريماً لانه سيضطر بالتالي الى مد يده للسؤال من الغير.
ومن هنا فاذا اردنا ان نضمن الكرامة، فلابد لنا كافراد او مجتمع وامة، ان نحقق الامن الغذائي لتكون ارزاقنا مضمونة، وبالتالي لا نمد يد الحاجة الى الاعداء، فمن لا معاش له لا معاد له كما يقال.
ان لم تكن مستقلاً في رزقك، كيف يمكنك ان ترفع رأسك وتدّعي الكرامة؟ لذلك نجد تأكيد الاسلام على تحقيق الامن الغذائي لدى المسلمين، قال رسول الله صلى الله عليه واله: اذا قامت القيامة على احدكم وبيده فسيلة فليغرسها.
وقال امير المؤمنين عليه السلام:”مَنْ وَجَدَ مَاءً وَ تُرَاباً ثُمَّ افْتَقَرَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ.”[10]
إن الكسول، والفاقد للهمة العالية، ستخدش كرامته حين يمد يده الى الاخرين، وهكذا كان الفقر سواد الوجه في الدنيا والاخرة، ففي الحديث:” الْفَقْرُ سَوَادُ الْوَجْهِ فِي الدَّارَيْنِ”[11]، وَ قَالَ عليه السلام:”كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْراً”[12]
ونحن نرى اليوم، كيف ان الامة الاسلامية صارت اليوم محتاجة الى دول الشرق والغرب في ابسط المواد الغذائية.
إن عاشوراء تعطينا حضارة سامية، لأنها تهب لنا الكرامة، وطريق الكرامة يمر عبر الاستقلال الحضاري، بل ان الكرامة توصل الانسان الى مرحلة تكون يده العليا في الحياة، ونحن نقرأ في التاريخ كيف ان العراق كان يسمى بهذا الاسم لكثرة عروق النخيل، وكذا كان يسمى بارض السواد، ولم تكد توجد فيه ارض خاليه من الزراعة، ولذلك كانت تصدر الاطعمة، ولكن العراق لم يستعيد عافيته منذ سبعمائة عام بعد الغزو الصليبي والاجتياح التتري.
ان الحروب تلك، لم تقض على الزراعة فحسب، بل قضت على ارادة اهل العراق، فلم يقوموا باعادة بناءه، ولم يستفيدوا من نعم الله سبحانه التي اغدقها عليهم، من خصوبة التربة ووفرة المياه العذبه و..
الدفاع عن النفس مظهر الكرامة
من تجليات الكرامة في حياة الانسان كفرد وامة، هو قيامه بالدفاع عن النفس، ونتعلم هذا الدرس من سيرة الامام الحسين عليه السلام في ليلة عاشوراء، حيث ان الامام لم يكتفي في تلك الليلة الموحشة بتلاوة القرآن وقراءة الادعية، بل راح يهيء للدفاع عن النفس.
وهنا لابد ان اقول، ان قراءة القرآن وتلاوة الادعية، لا يتعارض ابداً مع العمل، بل على الانسان ان يجمع بينهما، كما كان يفعل الائمة، فالامام امير المؤمنين عليه السلام كان يزرع الارض وهو يقرأ القرآن، فليس هناك ثم تعارض بين الامرين، بل ان الشرع قد اتاح للانسان ان يصلي صلوات نوافل في حال المشي او الركوب على الدابة، لكيلا تعيق العبادة عمل الانسان وسعيه في الحياة.
والامام الحسين عليه السلام، قام في ليلة عاشوراء بحفر خندق كبير حول المخيم، الذي كان على مساحة لا تقل عن الف متر مربع، وجمع على الحطب من تلك الصحراء التي كانت محاصرة بالجيوش، ليجعله في الخندق ويشعل فيه النار، وبالتالي كانت هناك جهوزية تامة عند افراد معسكر سيد الشهداء عليه السلام.
ان معسكر الامام الحسين كان يحوي على افراد قلائل، في مقابل ثلاثين الف مقاتل – حسب اقل رواية – اما بعض الروايات فتقول ان الف الف مقاتل جاء لحرب سيد الشهداء عليه السلام، لأن ابن زياد اعلن النفير العام في الكوفة، ورغم قلة عدد هؤلاء وكثرة افراد ذلك المعسكر، فإن جيش الامام الحسين ابدى اروع البطولات واسقط الكثير من الاعداء.
كان هدف الاعداء ان يقضوا على الامام الحسين، عليه السلام، في وجه الصباح، ولكن الخطط العسكريه للامام وجهوزية اصحابه حالت دون تحقيق الامر حتى ساعة متأخرة من النهار، فلم يستشهد الامام عليه السلام الا بعد ان قتل من الاعداء مقتلة عظيمة، فرغم علمه بأن القضية محسومة، الا انه لم يعطهم اعطاء الذليل، ولم يخضع لهم، بل قاتلهم اشد القتال واعنفه، وهكذا ؛ حينما اراد احد اللعناء ان يشمت بالسيدة زينب سلام الله عليها، وسألها عن حالها وقد قتل اخوها واصحابه واهل بيته و.. قالت: لم يقتل الحسين الا وادخل العزاء في كل بيت من بيوتكم..
والسبب في ذلك، ان الامام واصحابه واهل بيته كانوا اولاً، قيادات حرب، وابطال الجهاد، اما في المقابل فكان الاعداء يعتبرون غثاءاً كغثاء السيل.
والامر الثاني، ان اصحاب الامام الحسين كانت لديهم ارادة القتال، بينما اولئك فقد اوتي بهم قسراً فكانوا يهربون من القتل والقتال، فلذلك كان اصحاب الامام الحسين عليه السلام يحصدون بالرؤوس في تلك المعركة.
ومن عاشوراء نتعلم الاباء والعزة، فلا نكون كالمعزى ليقتلنا الاعداء!
وانا ادعو الامة الى ان يحمل جميع ابناءها روحاً قتالية، ويجهز نفسه من الناحية العسكرية بصورة تامة، لكن ليس للهجوم، بل للدفاع عن النفس وارهاب الاعداء.فحينما تتسلح الامة بافضل الاسلحة وتتجهز بكل الخطط العسكرية، ولا تخشى احداً الا الله سبحانه، فإن الاعداء سيخشونهم، وهذه هي الكرامة.
ان الكرامة الحسينية ليست كرامة شمخ الانف وثني العطف، بل هي كرامة العمل والجد والاجتهاد، وبذلك تقوم بافضل تهيئة حتى لو اراد الجميع ان يحولوا دون ذلك، قال تعالى: (وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّكُم)[13]، فالاية تحدد ان هدف الاعداد هو لارهاب الاعداء لا لقتلهم، والارهاب يعني ان يمتنع العدو من الاقدام على الحرب خشية قوة المسلمين.
سلّم الكرامة
ومن الابعاد المهمة في قضية الكرامة لدى الامة الاسلامية لتشكيل الحضارة الرائدة، هو الترابط العميق بين مختلف جهات الحياة.
فالتطور العسكري لا يمكن ان يتحقق لدى الامة الا اذا كان هناك تطوراً في مجال التقنية، و التطور التقني رهين التقدم العلمي.. وهذا هو مرتبط بالاكتفاء الاقتصادي ونموه، والنمو الاقتصادي يعتمد على التطور الاداري في المجتمع، و الاخير يحتاج الى الحكمة التي تسيّر هذا التطور.
انها امور متسلسلة يتصل بعضها ببعض، لا يمكن ان نوّفر جانباً دون اخر، وهكذا فحينما يأمرنا الرب بالاعداد للعدو فهو يشمل الاعداد في كل هذه الجوانب.
ان هذه هي الحضارة التي اطلقها الامام الحسين عليه السلام في ثورته المباركة، والتي لابد ان تتحول من روح الى مسيرة عملية في كل مجالات الحياة، ولابد للامة ان تكون متقدمة على جميع الاصعدة، كما كانت كذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه واله، حتى روي ان النبي صلى الله عليه واله ارسل بعض المسلمين الى اليمن، لأنه سمع بأن اهل اليمن طوروا بعض الاسلحة، فارسل المسلمين ليتعلموا كيفية هذا التطور ويطبقوه في الجيش الاسلامي.
مسؤولية المسيرات العاشورائية
لدينا المسيرات الضخمة في عاشوراء، والتي تقوم بدورها في نشر الثقافة الحسينية، وتمنح الحيوية والحياة لكل الناس، فقد قال لي رئيس بنك الدم في بعض البلاد الاسلامية ان اكثر موسم للتبرع بالدم هو موسم عاشوراء، حيث كثرة المتبرعين بالدم للمحتاجين، فالمسلم الحسيني يريد ان يهب الحياة للاخرين، ان هذه ثقافة حسنة.
نعم، لا يعني هذا ان نوقف سائر الشعائر ونجعل تبرع الدم بديلاً عن تلك، لا بل يمكن الجمع بين جميع الشعائر، ونخصص يوماً من ايام محرم – كالخامس منه مثلاً- للتبرع بالدم، او حتى التبرع بالاعضاء الحيوية الاخرى.
مكانة المرأة في عاشوراء
سبق وان قلت واكرر، لابد ان نخصص يوماً من ايام عاشوراء، او يوماً من ايام شهري محرم وصفر، نخصصه بقضية المرأة، لأن المراة لعبت دوراً كبيراً في نهضة الامام الحسين عليه السلام.
فزينب سلام الله عليها، قامت بدور عظيم، وهي بذلك تجبر نقص المرأة، فتحول المرأة من امرأة تستضعف نفسها قبل ان يستضعفها زوجها، وامرأة تحتقر نفسها قبل ان يحتقرها المجتمع، الى امرأة تؤدي دوراً محورياً في حياة الامة.
لقد قيّض الله لموسى هارون، وللنبي محمد صلى الله عليه واله علياً، ولعلي عليه السلام مالكاً، وللحسين قيض ربنا زينب سلام الله عليها، رغم وجود ابطال كالعباس وعلي الاكبر عليهما السلام، الا ان زينب قامت بدور عظيم في كربلاء، وقبل كربلاء وبعد كربلاء، في مختلف الجوانب، من تمريض للمرضى وحفظ للايتام والسبايا والتبليغ عن مظلومية سيد الشهداء والاعلان عن اهداف الثورة و…
صحيحٌ انها كانت امرأة، ولكنها كانت ابنة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله، وبذلك كانت تفوق الرجال في مقامها ومكانتها وروحها، فلقد هزّت عروش الطغاة بخطبها وروحها، وحتى اليوم صار اسمها يرعب الظالمين.
مكانة الطفولة
وكما للمرأة يوم، لابد ان نخصص يوماً للطفولة، ويكون يوماً عالمياً للدفاع عن برائة الطفولة وحفظ الاطفال، وتكثر الحاجة الى هذا اليوم، في بلداننا اليوم، حيث نرى كيف ان الاطفال يقتّلون ويذبّحون في سوريا بدم بارد، وكيف ان اطفال العراق يلقون حتفهم في عمر الزهور بتفجيرات الارهابيين.
اننا اليوم بحاجة الى الحفاظ على الطفولة، باستذكار مظلومية طفل الامام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، ورفع راية مظلوميته في كل العالم.
وهكذا نتخذ من قضية عاشوراء قضية حضارية، بها نبني مدنيتنا وحضارتنا الاسلامية التليدة.
[1] الذاريات: 55-58
[2] الاقبال بالاعمال الحسنة: ج3، ص 305
[3] علل الشرائع: ج1، ص 9
[4] الفقه المنسوب الى الامام الرضاعليه السلام: ص 381
[5] النور: 41
[6] الحياة: ج4، 391
[7] الكافي: ج5،ص 64
[8] تحف العقول: ص 245
[9] الانعام: 142
[10] وسائل الشيعة: ج17، ص 41
[11] عوالي اللئالي: ج1،ص 40
[12] المصدر
[13] الانفال: 60