Search Website

ميراث عاشوراء (7) – بالامام الحسين (ع) نجبر ضعفنا

ميراث عاشوراء (7) – بالامام الحسين (ع) نجبر ضعفنا

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحيماً * فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في‏ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْليماً *}[1].

وجاء في زيارةٍ مأثورة لأبي عبد الله الحسين عليه السلام، مخصوصة بالنصف من رجب: ” صَلَّى‏ اللَّهُ‏ عَلَيْكَ‏ عَدَدَ مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ لَبَّيْكَ دَاعِيَ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي عِنْدَ اسْتِغَاثَتِكَ وَ لِسَانِي عِنْدَ اسْتِنْصَارِكَ فَقَدْ أَجَابَكَ قَلْبِي وَ سَمْعِي وَ بَصَرِي‏ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا أَشْهَدُ أَنَّكَ طُهْرٌ طَاهِرٌ مُطَهَّرٌ مِنْ طُهْرٍ طَاهِرٍ مُطَهَّرٍ فَطَهُرَتْ بِكَ الْبِلَادُ وَ طَهُرَتْ أَرْضٌ أَنْتَ فِيهَا وَ طَهُرَ حَرَمُكَ أَشْهَدُ أَنَّكَ أَمَرْتَ بِالْقِسْطِ وَ الْعَدْلِ وَ دَعَوْتَ إِلَيْهِمَا وَ أَنَّكَ صَادِقٌ صِدِّيقٌ صَدَقْتَ فِيمَا دَعَوْتَ إِلَيْه‏”[2].

حينما خلق الله الانسان، وكلفه المسؤولية وحمّله الامانة العظمى التي اشفقت السماوات والارض والجبال من تحملها وحملها الانسان، لعلها كانت هي امانة الحرية والمسؤولية، وامانة الولاية الكبرى.

علم الله سبحانه ان الانسان خلق من ضعف واركز فيه وعاجزٌ عن اكمال المهمة، بالرغم مما اتاه الله سبحانه من القوى التي لم يهبها لأي من المخلوقات الاخرى، كونه اقوى كائن حي من كثير من النواحي، مضافاً الى امتلاكه الارادة الحرة، والطموح العالي، بالرغم من كل ذلك الا انه يبقى ضعيفاً امام تلك الامانة الثقيلة.

ويتجلى ضعف الانسان حينما تواجهه عواصف الضغوط المختلفة، وتحيط به مشاكل الحياة، انه يتمنى ان يكون انساناً صالحاً ويريد ذلك، ولكن انّى له من التخلص من ضغوط العائلة والشهوة، واعاصير الثقافات المختلفة، ومشاكل المجتمع والبيئة و..

كذلك يتجلى ضعفه حينما يريد ان يتخذ قراراً صائباً في امر هام، اذ ان الله يعين الانسان على العمل بعد اتخاذ القرار ولكن لحظة اتخاذ القرار يدعه الله حرّا ليختار ما يشاء، فذلك هو الامتحان الالهي، وفي تلك اللحظة عينها تحيط بالانسان وساوس ابليس لتمنعه من اتخاذ القرار الصائب.

ولذلك فإن الله سبحانه اعانه بأن فتح له ابواب الرحمة وارسل له الرسل وواتر الانبياء والرسالات، كل ذلك ليقتدي الانسان بالرسل ويجبر نقصه بهم. ففي لحظة الامتحان واتخاذ القرار يمكن للانسان ان يجبر نقصه بالاقتداء بالاخر، اذ ان اتخاذ الغير للقرار يسهم في تذليل الطريق الى اتخاذ القرار، خصوصاً اذا كان الغير يقوم بعمل اعظم مما يطمح اليه الانسان.

فمثلاً اذا رأى المؤمن ولياً من اولياء الله يقوم الليل كله ويقضيه بالصلاة والتعبد، فإن ذلك سيسهل عليه ان يتخذ القرار في اقامة صلاة الليل والالتزام بالنوافل.

إن دور القدوة في حياة الانسان دورٌ خطير وهام ورئيسي، فحينما يبين ربنا صفات الرسل ومكانتهم واعمالهم، يقول: { أُولئِكَ الَّذينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِه‏}[3].

ويقول عن رسول الله صلى الله عليه واله: { لَقَدْ كانَ لَكُمْ في‏ رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثيرا}[4].

وهكذا نجد ان القران الكريم يذكر لنا صفات المؤمنين والصالحين، وحتى الانبياء لنتأسى بهم، ونجعلهم قدوات لنا في حياتنا، يقول ربنا عن النبي ابراهيم عليه السلام: { قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في‏ إِبْراهيمَ وَ الَّذينَ مَعَهُ }[5].

وهكذا ؛ حينما يدرس الانسان حياة الصالحين والاولياء، يستطيع ان يجعلهم قدوات لحياته في كل المجالات، فحينما يقرأ الشاب سيرة علي الاكبر، عليه السلام، وعدم مبالاته بالموت مادام على الحق، او القاسم بن الحسن، عليه السلام، و تمنيه للشهادة بين يدي عمه الحسين عليه السلام، يقدر بذلك ان يتجاوز عن شح نفسه وحبه للحياة.

ان هذه الحالات، وامثالها الكثيرة، تجعل الانسان المسلم يجبر نقصه، وحينما يتخذ القرار المناسب، فلا يمكن لاحدٍ حينها ان يقف امامه، ففي الحديث الشريف عن الامام الصادق عليه السلام: ” مَا ضَعُفَ‏ بَدَنٌ‏ عَمَّا قَوِيَتْ عَلَيْهِ النِّيَّةُ[6].

مواقف جبر الضعف

يواجه الانسان عشرات المواقف الصعبة في حياته، التي يحتاج فيها الى القدوة الصالحة، ليتجاوز الصعاب بيسرٍ وسهولة، وتتمثل هذه القدوات بالامام الحسين عليه السلام، واهل بيته الابرار واصحابه الاخيار.

الموقف الاول: عند المصائب

قد ينهار المرء، اذا ما فقد عزيزاً على قلبه، وانهياره قد يسبب الهلاك له، فكم من اناس فقدوا اعزاء على قلوبهم فانهاروا وكان في ذلك حياتهم.

لكن المؤمن يجبر ضعفه ونقصه في هذه اللحظة، باستحضار ما كان يفعله الائمة عليهم السلام في احيانٍ كهذه، و كذلك يستذكر الانسان ما جرى على اهل البيت عليهم السلام من مصائب، فيهون ذلك عليه مصيبته.

الموقف الثاني: اتخاذ القرار الصعب

حينما يحتار الانسان بين قول ( لا ) و ( نعم ) عند السلطان الجائر، لابد له ان يستحضر في هذه اللحظات قصتي عمر بن سعد و الحر بن يزيد الرياحي، والمقارنة بين قرار هذين الرجلين.

فالاول، اخّر اتخاذ القرار فوسوس له ابليس وجعله يختار الفعل الخطأ، وهنا لابد ان اقول، ان السبب في اتخاذ عمر بن سعد القرار الخاطئ كان في تأخيره اتخاذ القرار، حينما اجّل القرار الى الصباح، وراح ينشد:

( ءاترك ريّاً والري منيتي ** ام ارجع مأثوماً قتل حسينِ

حسين بن عمي والمصائب جمةٌ ** ولي في الري قرة عيني ). وهكذا اختار رياًّ على الجنة، وباع اخرته بدنياه.

اما في المقابل، فإن الحر بن يزيد الرياحي، لم يؤخر اتخاذ القرار، حيث رأى نفسه بين الجنة والنار، فحينما سأله احدهم واسمه مهاجر إِنَّ أَمْرَكَ لَمُرِيبٌ وَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ فِي مَوْقِفٍ قَطُّ مِثْلَ هَذَا وَ لَوْ قِيلَ لِي مَنْ أَشْجَعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَا عَدَوْتُكَ فَمَا هَذَا الَّذِي أَرَى مِنْكَ؟

فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: “إِنِّي وَ اللَّهِ أُخَيِّرُ نَفْسِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ فَوَ اللَّهِ لَا أَخْتَارُ عَلَى‏ الْجَنَّةِ شَيْئاً وَ لَوْ قُطِّعْتُ وَ حُرِّقْتُ”[7].

وهكذا تكون سيرة الحر نبراساً لكل من وقف في موقف مماثل، فكم من رجل خيّره الطغاة واحتار بين الجنة والنار، اختار الجنة بعد تذكره للحر وفلاحه، وخسارة عمر بن سعد، وقد رأيت احد الموظفين الكبار في دولة العراق سابقاً خارجاً من حرم الامام الحسين عليه السلام، وهو مسرور، فقال لي انه رأى احد العلماء الكبار داخل الحرم، – وكان في سلامه على العالم محاذير كثيرة لوجود عيون الحاكم في الحرم -، فرآى نفسه بين ان يكون كعمر بن سعد، او حر بن يزيد الرياحي، ثم اختار ان يكون كالحر، فذهب الى العالم وسلّم عليه.

الموقف الثالث: التضحية

قد يجد الانسان صعوبة في بذل مالٍ او جهد او جاهٍ في سبيل الله، ولكن مدرسة عاشوراء ورجالاتها تجعل الانسان يستسهل التضحية في سبيل الله بكل شيء، بالمال والجاه والاهل والاولاد و..

وهو يتذكر الامام الحسين عليه السلام ساعة التضحية، كيف انه قام بتضحيات عظيمة حيث قدّم كل ما كان يملك، وكما يقول الشاعر: اعطى الذي ملكت يداه الهه ** حتى الرضيع فداه كل رضيع

وقد سألني احد الصحفيين الاجانب، ابان الثورة الاسلامية في ايران، عن سبب خروج النساء المتظاهرات وهنّ يحملن اطفالهن الرضع، والمظاهرات قد يحول امرها الى اطلاق الرصاص وتفريق المتظاهرين بقوة النار والحديد و..

فقلت له: ان الشيعة لديهم قدوة في هذا المجال في تاريخهم، وقدوتهم في تضحية الطفل علي الاصغر بن الامام الحسين عليه السلام، وتسلّي الام نفسها في تقديم ولدها الرضيع، كما فعل الامام الحسين عليه السلام.

وقد شاهدنا كثيراً، ان الام تقدم كل اولادها في سبيل الله، ولكنها تبقى كالجبل الأشم تريد بذلك مواساة السيدة زينب سلام الله عليها، التي لم تتحدث السيدة زينب عن ابنائها الذين استشهدوا في كربلاء ابداً، رغم حديثها عن جميع الشهداء.

وقد قرأت في موسوعة لكاتب مسيحي يكتب عن السيدة زينب وعبارته: ” زينب بنت علي كانت مشهورة بالصبر، فقدت ولديها في ساعة واحدة وصبرت..”.

وهكذا يجبر رجالنا ونسائنا واطفالنا ضعفهم في حقل التضحية و في شح النفس بما فعل ابي عبد الله الحسين، عليه السلام، واولاده واهل بيته واصحابه سلام الله عليهم.

الموقف الرابع: الفداء

قد يبتلى الانسان بحالة الانانية، فيصاب بالكبر والحسد والغرور، وهو بذلك يكون بحاجة الى تجاوز هذه الحالات السيئة، وفي هذا الموقف يمكنه ان يجبر نقصه هذا باستحضار سيرة ابي الفضل العباس عليه السلام، كيف انه سلام الله عليه تجاوز عن ذاته وقدّم نفسه فداءاً للامام الحسين واهل بيته عليهم السلام.

لقد ضحّى العباس من اجل ايصال الماء الى الامام الحسين عليه السلام، بل انه واسى اخاه فلم يذق الماء رغم عطشه الشديد.

الموقف الخامس: المرأة

المرأة هي المخلوقة التي جعلها الله سبحانه وتعالى ريحانة، وخلقها من تركيبة عاطفية، انها تقتدي بالسيدة زينب سلام الله عليها وتجبر بها ضعفها ونقصها.

لقد واجهت زينب، سلام الله عليها، الظلم والمصائب، كما انها واجهت المصاعب في طريقها من كربلاء الى المدينة، حتى ان نساء المدينة لم يتعرفن عليها، بعد ستة اشهر من المعاناة والمصائب، ولكن رغم كل ذلك بقيت صابرةً صامدة ً، بل ومدبرة لشئون اليتامى والارامل، وراعيةً لامام زمانها زين العابدين عليه السلام، واشتهرت مقولتها: ” مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلا”.

الموقف السادس: خور عزيمة الامة

تصاب الامة بخور العزيمة في مواجهتها للطغاة، وتفقد شخصيتها حينما تلم بها المشاكل الكبرى، فمثلاً ما حدث اليوم في الفليبين، قد اصاب المجتمع هناك بالتزلزل، حيث قتل فيه اكثر من عشرة الاف شخص اثر الاعصار هناك.. في كوارث كهذه ينهار المجتمع ويصاب بحالات الخور والتقهقر.

قد تصبح ثقافة المجتمع ثقافة سلبية، وقد تحولت ثقافة المجتمع العراقي بعد الغزو التتري الى ثقافة الحزن واليأس، ويظهر ذلك لمن قرأ الامثلة الشعبية القديمة، والاشعار والاناشيد و..

لابد ان تجبر الامة ضعفها في هذا الجانب بما جرى في كربلاء، اذ ان مصيبة كربلاء لم يكن لها مثيلاً في العالم كله، ونلاحظ اليوم ان الشعب العراقي يجبر ضعفه في هذا الجانب بكربلاء المقدسة ومأساتها، حيث صمد الشعب العراقي امام المصاعب والمشاكل كلها، في حين تجد ان شعباً اخر ينهار امام الكوارث الطبيعية منها او البشرية.

إن هذه لمحة من لمحات كربلاء ونفحة من نفحات عاشوراء، تنهض بالمجتمع وتجعله مجتمعاً صامداً امام كل التحديات.

الامام الحسين (ع) باب الرحمة

يحدثنا القرآن الكريم عن فلسفة بعثة الانبياء وحكمة مجيئهم الى الامم، حيث يقول تعالى: { وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ }، لم يرسل الرب الرسل ليكونوا شهداء على الناس فحسب، بل ليطاعوا ويكونوا محور الامة ومرجعاً اليهم في كل الامور.

ولا يلبث القرآن حتى يحدثنا عن الجانب الاخر، وهو جانب النقص عند الناس في هذا الجانب فيقول سبحانه: { وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحيماً}. فجعل الله نبيه باباً للرحمة وباباً للاستغفار.

وهكذا جعل الله الامام الحسين عليه السلام رحمةً وسفينةً للنجاة، ونبراساً ومتراساً، وكهفاً يلجأ اليه العباد في كل شئونهم.

وفعلاً نجد ان ملايين البشر يخطأون طوال العام ويقترفون المعاصي، ولكن مع مجيء ايام عاشوراء يجلسون في مجلس الامام الحسين عليه السلام، وتخشع قلوبهم وتدمع عيونهم، وتتنزل عليهم الرحمة الالهية، فيتوبوا الى الله، ويعودوا الى العمل الصالح.

وقد ذهبت ليلة الجمعة الماضية الى حرم الامام الحسين عليه السلام، واخيه ابا الفضل العباس سلام الله عليه، وشاهدت الشباب الذي كانوا قد قدموا الى الزيارة من بعد اقامتهم العزاء على سيد الشهداء عليه السلام، وكانت وجوههم تختلف عما كانت في كل اسبوع، وكأن مسحة من مسحات الامام الحسين عليه السلام قد كانت على وجوههم تميزهم عما كانوا في سائر الايام.

وهكذا تنزل الرحمة الالهية على من يحضر مجالس الامام الحسين وكما يقول تعالى: { لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحيماً}، ويعني الوجدان – فيما يعني – احساسهم المباشر ببرد غفران الرب ورحمته.

وكذلك تكون زيارة الامام الحسين عليه السلام، محلاً لطهر الزائر، فنقرأ في زيارته: “ أَشْهَدُ أَنَّكَ طُهْرٌ طَاهِرٌ مُطَهَّرٌ مِنْ طُهْرٍ طَاهِرٍ مُطَهَّرٍ فَطَهُرَتْ بِكَ الْبِلَادُ وَ طَهُرَتْ أَرْضٌ أَنْتَ فِيهَا وَ طَهُرَ حَرَمُكَ”.

وقد قلت لأحد المؤمنين فيما سبق، هل يعقل ان يطهر حرم الامام وارض كربلاء والبلاد المحيطة بقبره الشريف، ثم لا يشمل الزائر بالطهر والنقاء؟ فقال كيف لنا ان نتحسس حالة التطهر؟

فقلت له، ان الزائر بعد ان ينتهي من الزيارة يحسّ بحالة من خفة الروح، والتخلص من اثقال الذنب وادران المعاصي، فعليه ان يحافظ على هذه الحالة، قبل ان تخالطه الذنوب مرة ً اخرى فتثقل كاهله.

وتشترك الزيارة في معانيها مع الاية المباركة، حيث ان النصّين، يدعوان الانسان الى ان يقوم بخطوات منه، قبل ان تشمله الرحمة الالهية، ففي الاية الكريمة امر بالذهاب الى الرسول ليستغفر لهم الرسول صلى الله عليه واله. وفي الزيارة تلبية لداعي الله الامام الحسين عليه السلام، لأن التلبية لا تكون الا بعد وجود النداء.

لقد نادى الامام الحسين عليه السلام في كربلاء بنداءه الذي طلب فيه الاستنصار: ( هل من ناصر ينصرنا، هل من ذابٍ يذب عن حرم رسول الله )، ولم يكن نداءه موجهاً الى الوحوش الكاسرة التي جاءت لمحاربته، ولم يكن كذلك لاصحابه المجدلين على بوغاء كربلاء،بل كان نداءاً وجهه الامام لشيعته ومواليه، وجهه لي ولك.

واليوم يلبي المؤمن نداء امامه واستنصاره، قائلاً: { لَبَّيْكَ دَاعِيَ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي عِنْدَ اسْتِغَاثَتِكَ وَ لِسَانِي عِنْدَ اسْتِنْصَارِكَ فَقَدْ أَجَابَكَ قَلْبِي وَ سَمْعِي وَ بَصَرِي‏ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا}، واستجابته هنا هي نفسها لمن يستجيب لنداء من يدعوا الى الايمان بالله: { رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادي لِلْإيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ كَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَ تَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرار}[8].

وتتسجد تلبية المؤمن لنداء ابي عبد الله عليه السلام، في ان يكون جندياً في معسكر الامام في الدعوة الى القسط والامر بالعدل، ويخاطب المؤمن امامه قائلاً: ” أَشْهَدُ أَنَّكَ أَمَرْتَ بِالْقِسْطِ وَ الْعَدْلِ وَ دَعَوْتَ إِلَيْهِمَا وَ أَنَّكَ صَادِقٌ صِدِّيقٌ صَدَقْتَ فِيمَا دَعَوْتَ إِلَيْه‏”[9].

صفوة القول

وبكلمة اننا خلقنا ضعفاء، والرب سبحانه رحمنا وجبر ضعفنا بالانبياء والقدوات الصالحة التي يقتدي بها الناس ويحتذون في حياتهم بسيرتهم.

بالقدوات نقتدي، وبمصائبهم نسلي انفسنا على المصائب، وبسيرتهم نقاوم شحّ انفسنا، وبنسائهم تجبر المرأة ضعفها، وبجهودهم يجبر المجتمع خور عزيمته في تجاوز الصعاب.

وبذلك يتسلح المجتمع بثقافة كربلاء في حياته بل وبعد حياته، حيث يزور الامام الحسين عليه السلام زائره في قبره بعد ان يوضع في قبره ويحيط به لحده، يزوره الامام ردّا على زياراته في الحياة واتباعه سيرته و احياءه امره.

وهكذا ؛ يجبر الامام الحسين عليه السلام واهل بيته واصحابه، ضعفنا ونقصنا وعجزنا، في الدنيا و الاخرة.



[1] النساء: 64 -65

[2] اقبال الاعمال: ج2،ص 712

[3] الانعام: 90

[4] الاحزاب: 21

[5] الممتحنة: 4

[6] من لا يحضره الفقيه: ج4،ص 400

[7] الارشاد في معرفة حجج البلاد: ج2،ص 99

[8] ال عمران: 193

[9] اقبال الاعمال: ج2،ص 712