
بصائر حسينية .. التواصي في النهضة
05 Jun 2023بصائر حسينية لسماحة المرجع الديني اية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله)التي القاها يوم الاحد 01/محرم الحرام/1441هـ الموافق 09/01 /2019م بمناسبة استشهاد الامام الحسين (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا ۚ وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا))
أمنا بالله
صدق الله العلي العظيم
الموت والحياة يتعاقبان، والموت قبل الحياة، وعند لاسباب الحياة فالموت هوالحاكم ،و هو الظلام ،والركود، والسكون، و العدم، انما الحياة تأتي لتغطّي على جانب من الموت، فالموت والحياة متداخلان، فلا حياة الا وقبلها، وبعدها، وفي اطرافها الموت، نحن احياء، لكن ليس الى الابد، فحياتنا محدودة، وقدراتنا محدودة، فيما سواء ذلك فالموت هو الحاكم.
مواجهة الظلم حياةٌ للناس
ومن ابعاد الموت الفساد، سواء بمعنى عدم النظام او مخالفته ، ولذلك نحن بحاجة الى محاربته، فلظلم موت، والطغيان موت، لان الظلم خلاف العدالة، والعدالة هي الحياة، لان الطغيان خلاف للنظام الكوني لان هذا النظام هوالحياة، هذه التعابير قد تكون فيها بعض الغموض إلا اننا نعيش هذه الحقائق وجدانيا، انت حينما تترك شيء، فإنه ينتهي ، ولذلك نحن مسؤولون عن مواجهة الفساد، و مواجهة الظلم، لماذا؟
لاننا نريد الحياة، فلابد من مواجهة الطغيان، و مواجهة الانحراف ، لان والطغيان والانحراف يشكلان نوع من التهديد، والتغيص، باي شكل من الاشكال لهذه الحياة، من هنا لابد من تحمّل المسؤولية ، و اقامة القسط، ومواجهة الطغيان، واصلاح الفساد، هذه ليست مسؤولية جانبية، انها جزء لا يتجزأ من وجود الانسان.
خلق الله الانسان وجعل جسمه في أحسن تقويم، وجعل في هذا الجسم أنظمة للاصلاح، فالرئة والقلب، وغيرها من الاعضاء هي انظمة إصلاح ، فهذا الهواء الذي يدخل ويغذي كل خلاية من خلايا الجسم، ومن ثم يعطي تلك الخلية الحياة، هذا نظام من أنظمة الاصلاح.
الكبد احد انظمة الاصلاح في جسم الانسان، ولديه ألف وظيفة، كلذلك الرئتان لها دوراصلاحي، وكل عضو له دور، فالاكسجين عندما لا يصل الى المخ، يبدأ المخ بالموت السريري، حتى لو كان الانسان على قيد الحياة، كذلك المجتمع، فإن اي فساد يستشري داخله، ولم يقم هذا المجتمع بالاصلاح، فإن الفساد سيعم الجميع وينتهي كل شيء.
الاصلاح ديمومة الحضارات؟
بالعودة الى آيات الذكر الحكيم، وروايات الائمة عليهم السلام، يتبين كيف سادت تلك الحضارة، وكيف بادت، لماذا لا ندرس كيف ذهب اولئك الطغاة، ولماذا ذهبوا؟
فأين قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط ..، لم تبقَ الا آثارهم التي كانت شاهدة على قوتهم وصلابتهم، العلم الحديث الى الان – رغم الاكتشافات الكبيرة- إلا انه لم يكتشف اسباب وقوة الحضارات السابقة ، فكيف بُنيت الاهرامات، ومن أين جلبت تلك الصخور الكبيرة؟
هذا العلم لم يكتشف الا القليل، ومع هذا، فإن تلك الحضارات انتهت، لان نظام الاصلاح فيها كان ضعيفا،كالرئة اذا حدث فيها مرض، يتسبب بفشل كلوي الى ان ينتهي، ومن ثم يموت الانسان.
نظام الاصلاح في المجتمع من أهم الاشياء، لانه اذا اتسع الرقع على الراقع، و تُرك الطاغية يكبر ، وتصبح لديه قوة ، واذا جاء من يحاول القضاء عليه، فلن يستطيع الى ذلك سبيلا، هذا المجتمع كمجموعة راكبين على سفينة، فإذا حال احدهم خرقها، فإن على الكل ايقافه، لان هذا الخرق سيتسبب بهلاك الجميع ، فالفرد الذي يظلم، ويفسد، ويقوم بدور سلبي، على المجتمع ايقافه.
بسم الله الرحمن الرحيم
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ))
((قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ)) مذا يعني القيام بالقسط ؟
القيام بالمقابل القعود، فاذا رأى هؤلاء المؤمنين منكراً قاموا وعارضوه، والانسان قد يقوم مرة او مرتين، لكن ربنا يقول ((كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ))) على حالة من القيام الدائم، والمستمر، لئلا تنتهي العدالة وتتلاشى.
( فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا)) الانبياء كانت مهمتهم العظمى هو الاصلاح، ولذلك تجد النبي شعيب سلام الله عليه، كان يقول:{ ان اردت الا الصلح ما استطعت} ، فكان اصلاحه بما يقدر عليه، و بعض الانبياء اصلحوا جذرياً وبعضهم، اصلحوا جانبياً ،فكانت عملية الاصلاح كانت عملية مستمرة، وهي عملية مرتبطة بكل انسان، فلن يأتي احد ليقوم بالاصلاح بدلا منك فإذا كان احدهم مريضا في كليته، فهل من العقل أن يقول للاخرين: اغسلوا كليتكم بدلا من كليتي!
الان ما دام يعيش في هذا المجتمع فهوا مسؤول، عن اصلاح نفسه، واصلاح المجتمع، ولهذا قال النبي الاعظم، صلى الله عليه وآله:{ قال كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته}، فكل واحد مسؤول بحدود مكانه وموقعه، هناك كلام يتدوال في اوساط الناس ، أين العلماء؟ أين الحوزات؟
هذا الكلام المتدوال كلام تبريري، والتبرير، لا يغير شيئا، ولهذا يقول الله {بل الانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره}، لا يوجد ان شخصا مسؤولا، وآخر ليس مسوؤلا، فالعلماء مسؤولون، والناس مسؤولين، فقد يكون احدهم في موقع معين مسؤولا اكثر من غيره، فإذا كنت في الشارع تمشي، ورأيت اعمى يريد العبور، وامامه حفرة، ووقع فيها، فهل تستطيع أن تقول اين العلماء؟
فاذا كان العلماء بمدارسهم، و بحوزاتهم، وانت امام هذا الواقع، فماذا تفعل؟
انت في اوساط المجتمع، وانت ترى، الفساد الاداري، والفساد، الاجتماعي اذا كنت قريب وترى هذا الشيء، وتنتظر العالِم أن يأتي!
فمن أين ستجد عالم؟
العلماء مسؤولون عن الفقه، وعن الاحكام شرعية،و كل واحد منهم بصفته انساناً ومواطناً شريفاً، ايضاً هو مسؤول ، اما أن يأتي احدهم ويُبعد المسؤولية عن نفسه، ويحنلها العلماء، نحن كلمسلمين لا توجد لدينه هذه الصفة، الاسلام جاء بصفة ان كل واحد من موقعه مسؤول.
ما هو دور القادة؟
ما هو دور القادة؟
سواء العلماء ، او الطلائعين،؟
دورهم يتمثل في قيادة الناس في بعض المواقف الي المسؤولية، كأن تكون المسؤولية اكبر من حجم الشخص الفرد، مثل الاطاحة بنظام فاسد، وهذا بالضبط ما قام به الامام الحسين (ع) بعد شهادة اخية الامام الحسن (ع) لم تكن لمعاوية في ذمته بيعة، لان من شروط الصلح بين طاغوت بني امية معاوية والامام الحسن ان الحسين لا يبايع، ولكن هناك هدنة ظاهرية ، لمدة عشر سنوات، والامام الحسين سلام الله عليه، لم يدع مناسبة – خلال المدة- الا وبعث في الامة روح النهضة، فقد جمع الناس،في منى، و تحدث في رسالة الى العلماء، وبث الدعاة الى اطراف العالم الاسلامي الكبير والمتسع ، الذي لا يزال يتسع، وهيّأ الامة الى نهضته ، التي لم تكون نهضة قصيرة.
هذه هي نهضة الانبياء، وهي الاستمرارية، فلو كان الامام الحسن في الحياة، لقام بنفس الدور، الذي قام به قبل فترة اعتزاله السياسة، وكل الائمة قاموا بهذا الدور، و نهضة كربلاء كانت تتويجا لهذه الحركة، بعد شهادة الامام الحسين- لان الأمة الي كان بحاجة الى هذه الصدمة القوية- بعد هذه الشهادة، كل العالم الاسلام انتفض، لانه كان على موعد من هذه الانتفاضة، فكان الموعد على بث تلك الانتفاضة المباركة، ولذلك كلمته الرائعة وهو يتأهب الى التحرك الى كربلاء، { إلا اني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا ظالم وانما خرجتوا لأصلاح ائمة جدي } ،هذه الكلمة هي العنوان لحركة الامام الحسين ،وطلبه للاصلاح، لا يعني انه المسؤول الوحيد، هو واحد من أمة، وإنما هو قائد يقود الامة الى الاصلاح، وحينما خُذل الامام الحسين ، بعد تلك البيعة له، من اهل الكوفة ،ثُلمت الامة ثلمة لا يسدها شيء،و لهذا اذا قام العلماء و الريادين والقادة، انّى كانوا بنهضة اصلاحية ، فعلى الناس أن يلتفوا حولهم .
شمولية النهضة الحسينية
النهضة الاصلاحية، للامام الحسين كانت نهضة ذات معالم خاصة، ومن معالم هذه النهضة هي شموليتها، لم يكن الامام الحسين يحتاج الى احد، لكنه اراد ان لا تكون النهضة احادية ،كان يريج نهضة الامة، ففي حيشه اشترك العثماني،و المسيحي، وذاك العبد من الموالي هو جون سلام الله عليهم جميعاً ، هؤلاء كلهم قاموابتوجيه الامام لهم.
من معالم النهضة الحسينية
المعلم الاول : الامامة والقيادة الاسلامية ليست قيادة حزبية او قيادة فئوية، او قيادة عنصرية، اوقيادة طبقية، هي قيادة شاملة لكل الناس و في كل مكان، للصغير والكبير، والعبد، والحر ، و هذا معلم من معالم نهضة الامام الحسين، و هو معلم جدير لكل من يريد النهضة، ان يتخذه درساً في حياته، فلا يختصر نفسه ومكانه في جهة معينة، الطغاة يحاولون ان يحصروا النهضات في زاوية حادة ، ولكن على القادة ان يوسعوا اطار النهضة بكل اتجاه.
المعلم الثاني: ان النهضة إلهية وليست سياسية،وبعض الناس عقولهم ضيقة، يعتبرها قضية خاصة بوضع معين، مثلاً قضية، الغدير،عند البعض نظرية ، وواقعةمعينة، وهذه الواقعة ما دام انها لم تتم، فإنها قضية سياسية محضة، لكنها مسيرة ولائية للدين الى الابد وليس كما يظن اولئك .
المعلم الثالث: للامام الحسين (ع) عدم وجود حدود في التضحية، بعض الناس يقول: انا مستعد ان اتحرك، بشرط انه اموالي تكون بيدي،فاذا تعرضت ثروته الى الخطر، تراه يجمع امواله ويرحل الى بلد اوروبي ليستقر هناك، وآخر يقول: انا مستعد انهض بشرط ان يكونوا اولادي سالمين، وهكذا يتم التهرب من التضحية في سبيل الله، فليس احدا مستعدا ان يضحي بكل ما يملك.
لكن الامام الحسين لم يترك شيء يملكه حتى الطفل الصغير،زليس طفلا واحدا فقط ، فبعض الروايات تقول : ان خمسة وسبعين طفلا وطفلة سحقوا واحرق بعضهم عصر عاشرواء، منهم الاطفال الرضع ،
قائد الجيش الاموي – عمر بن سعد- لعنة الله عليه، عندما هجم قال: يا خيل الله اركبي واحرقوا بيوت الظالمين، لا تدعوا لهذا البيت لا طالب ثائر، ولا نافخ نار، ولا ذكر ولا انثى ،أتوا الجنود في حملة شديدة، ولولا زينب سلام الله عليها، والامام زين العابدين بجمعهما للاطفال ووضعهم في مكان، لذهب الاطفال في الصحراء ، ولولا الانقلاب الذي حدث في داخل الجيش الاموي، لتم تصفيتهم كلهم ظاهراً، ولكن الامام الحسين (ع) قد عقد العزم ان يذهب الى النهضة الى نهايتها، وهذا سر خلود هذه النهضة ،وسر انتشارها ، وسر انها دائما ً وابداً هذه النهضة قوة كل نهضة اسلامية، فكل نهضة اسلامية، تنتصر بنصر الامام الحسين، ولمن اراد ان يحقق نصراً عظيما.