Search Website

بصائر حسينية .. روافد الثورة الحسينية

بصائر حسينية .. روافد الثورة الحسينية

بصائر حسينية لسماحة المرجع الديني اية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله)التي القاها يوم الاثنين 08/محرم الحرام/1441هـ  الموافق 09/08 /2019م  بمناسبة  استشهاد الامام الحسين (عليه السلام)

بسم الله الرحمن الرحيم

{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}

أمنا بالله

صدق الله العلي العظيم

و اُسدل الستار عن نهضة الامام الحسين، وعن المرحله الاولى  من هذه  النهضة ، ذلك عندما دخلت السبايا المدينة المنورة و هم يقولون:

 مدينة جدنا لا تقبلينا.

 و يقول بِشر:

 يا اهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فادمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج

 و الراس منه على الرماح يدارُ

الامام الحسين مثله مثل عين تفجرت في ارض الطف، ثم تحولت الى روافد شتى، و استمرت و تستمر الى قيام الحجة ابن الحسن المهدي( عج).

 الرافد الاول و الاعظم تجلى في حياة الامام زين العابدين ع،  منذ اللحظة الاولى بعد شهادة الامام الحسين ع، و عند  تهجير و ترحيل السبايا من كربلاء جاءوا بسلسلة ليقيدوا الامام زين العابدين و هو مريض في حالة صعبة جدا.

 بدأ الامام يبكي عندما وضعوا تلك السلسلة ،فشمت به بعض الاعداء فقال عليه السلام: لا ابكي على هذه السلسلة ،و لا على الوضع الذي أنا فيه، و لا على ما ذهب مني… لكني ابكي عندما تذكرت أن بهذه السلسلة   في يوم القيامة ، التي طولها سبعين ذراعا يسلكون  بها اعداء الله .

منذ تلك اللحظة وجه الامام زين العابدين النهضة الكبرى باتجاه معرفة الله، وكانت دموعه، و كلماته ،و طوافه حول البيت، و كان تلاميذه الذين رباهم على معرفة الرب، و كانت الصحيفة السجادية، كان كل ذلك، و كل ما فاض من سيدنا زين  العابدين، كان كله  تذكرة بالله.

الصديقة زينب في ليلة الحادي عشر حينما نزلت على المنحر، و حملت جسد الحسين ع ، ورفعته قليلا الى السماء و قالت:

 يا رب تقبل هذا القربان من ال محمد.

 من تلك اللحظة طبعت زينب هذه المسيرة بطابع التوحيد ، و  اعلنت عن هذه الصبغة العظمى، و هي صبغة الله  {من احسن من الله صبغة}.

الر افد الثاني: تجلى في عهد الامامين الصادقين  ع، حيث ملأ الخافقين بالمعارف الالهية ،سواء فيما يرتبط باصول المعارف ،كما كانت كلمات الامام الباقر ،في فروعها و تحولاتها ، حتى كان يقول قائلهم:

 رأيت في مسجد الكوفة سبع مائة شيخ كلهم يقول:  حدثني جعفر بن محمد ع .

لذلك ستبقى الاجيال بعد الاجيال، و القرون بعد القرون، و يبقى العالم كله على مائدة الامام الصادق و الباقر العلمية، و قد تقولون: ما علاقة العلم  بالنهضة،و بالدم؟

 الانسان الذي ليس لديه روح، لا يوجد  عنده عقل، ومن ليس لديه  مسؤولية، لا يوجد عنده فكر.

فالحضارات تبدأ بالروح، و ثم تتحول الى حالة علمية و عقلية،  و هذا ثابت علميا في التاريخ.

 الرافد الثالث  لنهضة الامام الحسين ع، تجلى اكثر  ايام الامام موسى بن جعفر ع ، فالامام الكاظم حوّل النهضة الحسينية الى نهضة تجنب الطاغوت، و عهد الامام  الكاظم كان يسمى العهد الذهبى عند بني العباس ، فكان هارون العباسي يقول للسحب:

 اينما غربتي و شرقي ،فخراجك إليَّ.

 ذلك العهد  كان عهد طغيان المادة، لكن الامام موسى بن جعفر وجه الناس الى الدين، و الى الكرامة، و الى العدالة، و بقى في – تلك الايام التي يفرح الناس و يمرحون فيها، في بغداد تحت ظل الحضارة الاسلامية- بقي  الامام في قعر السجون، و ظلم المطامير .

 هذه النهضة التي قام بها الامام الكاظم، حفظت تلك الحضارة الاسلامية، ولولا تلك النهضة ، لتلاشت الحضارة في عهد هارون، و لذلك  اختلف ابناء هارون، وتقاتلا على السلطة، و كادت الدولة الاسلامية معرضة للتلاشي، لولا الامام الرضا.

 فماذا فعل الامام الرضا؟ و الامام الجواد ؟

والامام الهادي؟ و العسكري؟ وفي ن الغيبة زمن الامام الحجة بن الحسن؟

عندما عاشوراء ، ندرس كل تموجات هذه الملحمة العظمى،كانوا قد وا  المجتمعات القائمة على اساس ولاية محمد و ال محمد ص،وهناك من الناس يظنوا ، ان المسلمين اليوم هم مسلمي السقيفة ،و الشورى، و دين معاوية.

هناك بقايا  لاولئك، لكن المسلمين اليوم يتغذون بنور محمد و ال محمد، و كلما ارادوا ان يحرفوا هذه المسيرة، لم يستطيعوا الى ذلك سبيلا ، لان هذه المسيرة، هي نفس المسيرة ،و كلما تقادم الزمن كلما انتشر نور اهل البيت في العالم  اكثر و اكثر .

لقد تحولت النهضة من ثورة و دمعة و الم، الى مؤسسة اجتماعية ،كوكلاء المراجع، كل هذا حدث في عهد الامام الرضا ع ،و بعده الى اليوم ،و نحن الى الان نعيش في ظلال هذه البركة سواء ،في الغيبة الصغرى، او الكبرى نحن لا زلنا في ظلال البركة الميمونة.

  ثورة الامام الحسين ع، ذات روافد شتى، رافد عرفاني ،و رافد علمي، و فقهي، و رافد النهضة السلبي وتجنب الطاغوت، و تحول كل ذلك الى مؤسسات فاعلة، هذه الروافد كانت تلك العينة الصافية .

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ }

 ماذا تعني الكلمة الطيبة؟

 الكلمة الطيبة تتجسد في عيسى ابن مريم ،وتتجسد في الانبياء،و تتجسد في الامام الحسين ع ، ثم يقول :{الم ترى كيف ضرب الله كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت}  هذا الاصل لا ينتهي حتى لو بعض الفروع انكسرت ، وضعفت ، لكن { اصلها ثابت و فرعها في السماء تاتي اكلها كل حين باذن ربها }و هذه نهضة الامام الحسين، هي رسالة النبي، هي حركة امير المومنيين.

 عندما نتحدث عن الامام الحسين نتحدث عن كل الائمة، عن هذه المنظومة الطاهرة، عن هذه الاية الكريمة التي تقول: { في بيوت اذن الله ان ترفع و يذكر فيها اسمه في الغدو و الاصال رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة هذه البيوت الرفيعة} هذه البيوت المنيعة، هذه البيوت{ التي يقول الله الله نور السموات و الارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح}

لكن عندما نتحدث عن الامام شاء الله ان يجعل الامام الحسين ع عنوانا بنهضته، الله سبحانه و تعالى عوض الامام الحسين بشهادته بثلاث:

 ان الائمة من ولده، وهذه شيء

 من ثم استجابة الدعاء تحت قبته

و الشفاء في تربته.

 الامام الحسين ع هو العنوان،و هو اللافته ،و الرمز لهذه الكلمة الطيبة، ثم ربنا يقول: { و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما له من قرار}   الشجرة الخبيثة في القران بني امية ، لا يوجد عندهم اصل، لانها شجرة خبيثة اجتثت ،و اجتثها النبي ،وعلي ،و الامام الحسين،و الائمة اجتثوا شجرة الباطل .

المرحلة الثانية

تلك العين الصافية التي تفجرت في الطف ،كانت اساس المسؤولية، و اساس كل الاخلاق الحسنة، والمسؤولية اساس كل شيء: { الاسراء و كل انسان الزمناه طائره في عنقه و نخرج له يوم القيامة كتابا مسطورا اقرأ  كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}.

 هذا الاحساس بالمسؤولية هو اعظم ما جاءت به رسالات الله، ان  يتحسس الانسان انه  مسوؤل، ان  عليه واجب، وهذا الاحساس هو ميراث كربلاء.

 المسوؤلية التي ركز  عليها اهل البيت ع ، و كرسوها في احاديثهم و كلامهم، فالامام الحسين بينها في كربلاء اكثر من مرة ، هذه المسوؤلية يجب ان نعمل بها،  فلا يبقى الانسان في الارض يعيش و يعتقد بان الله خلقه عبثا ،و يتركه سدى!  {لا اقسم بيوم القيامة و لا اقسم بالنفس اللوامة} الانسان محاسب من داخله ، ومحاسب من خارجه ، هذه المسوؤلية يجب ان نكرسها في كتاباتنا ، و احاديثنا ، و خطاباتنا .

هذه المجالس الحسينية المباركة الميمونة هي مدارس، و نحن المسلمين لا غنى لنا عن هذه المجالس، لانها تذكرنا بالله ، وتذكرنا بالانبياء، و تذكرنا بالاحكام الشرعية، لو افترضنا ، لو ان انسانا لم يعرف هذه المجالس، ولم  يزكِ نفسه فيها، فهذا الانسان يعيش الامية، والجهل، حتى لو كان يمتلك شهادة بروفيسور.

هذه المجالس لابد ان نطورها ، ففي احد البلدان، وابناء احد المناطق في هذا البلد، كل ابناء المنطقة خطباء حسينيين، بداءً من الضابط والدكتور، وعوام الناس، ولهذا نحن يجب نحيي هذه المجالس، و الكل يجب ان يكون خطيبا ،وان يكون مبلغا لهذه نقطة.

يجب ان نطور الخطاب الحسيني، لان  الزمن تبدل، وهذا الزمن يختلف عما سبقه من الازمنة،  ربنا سبحانه و تعالى يقول: { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

 ولهذا على  الخطباء، والعلماء ، والحوزات،و حتى الافراد العاديين ان يساهموا في تطوير الخطاب الديني، و الخطاب الحسيني بالذات، لان خطاب الامام الحسين ع ،هو اصل الخطاب الديني لان { الحسين مصباح هدى و سفينة نجاة }، وهذا يجب ان يتطور مع متطليات الناس، ومستوياتهم.

ولابد من الاهتمام العظيم بمراقد اهل البيت ع ، وحسب ما نقل ان في ايران سبع عشر الف مرقد منسوب الى اهل البيت ع، و بالتاكيد في مصر هذا العدد او اكثر ، و العراق يحوي اعدادا هائلة،  و ايضا سائر البلدان الاسلامية تضم عددا كبيرا من هذه المراقد، لان هذه نجوم يهتدي بها الناس في الارض ، كما يهتدي اهل السماء بتلك النجوم المضيئة.

ولهذا يجب ان نهتم بكل مرقد بكل مكان نجده، لماذا؟

  لانه ولي من اولياء الله، فاصحاب الكهف حين عُثر عليهم، قال اولئك المؤمنون: { قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا}، لان هذا المسجد سيصبح محلا لعبادة الله، ومن هذه المساجد تتم طاعة الله ، ومنها تصعد الاعمال الى الله.

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}، ومما لا شك فيه، أن مَن يذهب الى زيارة الامام الحسين ع،ويدعو من تحت قبته الشريفة، فإن دعاؤه مستجابا، واذا كانت ذنوب الانسان كثيرة، ومتراكمة، فان هذاالدعاء لن يصعد الا بالتوسل بالحسين، وفعلا الدعوات تستجاب وترتفع من تلك البقعة المباركة.

 { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}، الشريف الرضي عندما  جاء الى ك  كربلاء و معه بعض المؤمنين، و هو يطوف  حول ضريح الامام الحسين ، ويقرأ:

كربلا لا زلت كرباً وبلا   ***   مالقي عندكِ آل المصطفى

كم على تربكِ لما صرِّعوا   ***   من دمٍ سالَ ومن دمعٍ جرى

انتشر هذا الشعر انتشر انتشار النار في الهشيم، وسمع اخوه الشريف المرتضى في بغداد، و وصل اليه الخبر بان الشريف الرضي بدأ يقرأ هذه الابيات، فقال الشريف المرتضلا :

انا لله وانا اليه رجعون

قالوا له : لماذا استرجعت ؟

قال : ان اخي قد مات …

ولهذا من يأتي الى كربلاء يحس بشيء مختلف، يحس بالغم والهم

هذه المدينة المقدسة التي  اسس فيها الامام الحسين ع، اعظم حوزة علمية، و هي التي تكونت منها كل الحوزات في العالم، الامام الحسين ع دخل كربلاء اثنين محرم و استشهد  يوم عشرة محرم، وخلال هذه المدة الوجيزة، بث الامام العلمَ هو و اهله  اصحابه، و تكونت الحوزة العلمية الاولى، و اصبحت كما الفرقدان ينيران العالم.

ولهذا يحب ان نتعهد  كربلاء، و يجب ان نزورها ، ونطور وسائل زيارتها،و نطور الحوزات العلمية فيها،  حتى تكون شعاع .

النبي صلى الله عليه وآله اخذ العهد من أهل بيته على تحمل الرسالة، والصبر على الاذى في سبيل الدعوة اليها، واوضح -ص- ما سيجري لكل واحد منهم ، بداءً بالزهراء وانتهاءً بالحسين الشهيد.

وتحدث رسول الله ص: بأن الله سيقيض موالون يبكون على الحسين، ويحيون ذكره، ولن يطفأ هذا النور الى يوم القيامة، ولهذا عندما نزور الامام علينا ان نتزود منه التقوى لنكن من اولئك الذين بشر بهم النبي صلة الله عليه واله، ولزوار الحسين فضل كبير جدا بينته الروايات، وحثت المؤمنين على زيارة هذه البقعة المباركة.