Search Website

تدبرات في سورة (الحديد) شهر رمضان المبارك / 1439 هـ – (الحادي عشر)

تدبرات في سورة (الحديد) شهر رمضان المبارك / 1439 هـ – (الحادي عشر)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

[ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تخَشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَ مَا نَزَلَ مِنَ الحْقّ‏ِ وَ لَا يَكُونُواْ كاَلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيهْمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبهُمْ  وَ كَثِيرٌ مِّنهْمْ فَاسِقُونَ(16)اعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يحُيىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتهِا  قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الاَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(17)]

صدق الله العلي العظيم

(سورة الحديد المباركة)

أن تخشع قلوبهم

في إحدى الطرق البعيدة وبينما كانت قافلة تتحرّك باتجاه سرخس, حتّى وصلوا الى مكان تردّدوا في المسير فيه ليلاً أو الانتظار الى الصباح لأنّ فيه رجلاً يُدعى فضيل ابن عياض وكان يغير على القوافل و ينهب ما عندهم من متاع, و بينما هم يتحدّثون إذ خرج عليهم الرجل, لكن بسيماء الصالحين, وقال: قد مضى ذلك اليوم الذي كُنتم تخافون منّي, إنّني اليوم تائبٌ الى ربّي عمّا كُنت أًصنع..وحين سألوه عن سبب ذلك, قال كنت ارتقي جداراً لكي اسرق احدى البيوت, فسمعت تالياً يتلو:

[أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تخَشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَ مَا نَزَلَ مِنَ الحْقّ‏ِ]

فقلت: (بلى و اللّه قد آن) فرجعت باكياً وآويت الى كهفٍ أعبد ربّي حتّى يأتيني اليقين.

ليس الفضيل ابن عياض الّا واحداً من آلاف الأشخاص الذين قالوا في لحظةٍ ما (بلى قد آن) وغيّروا مسيرة حياتهم.

متّى نعود الى ربّنا؟ ونُزيل عن قلوبنا آثار القسوة؟ ونتأثّر بمضامين الآيات والأدعية, آية عظيمة في سورة عظيمة كان النبي (ص) يتلوها كلّ ليلة, لما فيها من المضامين العظيمة فيها.

بعد أن بيّن ربّنا تعالى ما يجري على المنافقين  في القيامة حيث يُقال لهم ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا لأنّ اليوم لا ينفع فدية ولا من الذين كفروا كما يقول تعالى

[فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَ لَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَئكُمُ النَّارُ  هِىَ مَوْلَاكُمْ  وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ]

فالذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً, وهكذا أعمال الانسان هي التي تجعل النار مولاه.

ألم يأن للذين آمنوا

ثم يقول الباري عزّ وجلّ [أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تخَشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ] ال ابن مسعود: ما كان بين إسلامنا و بين هذه الآية إلّا أربع سنين، فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضا، و قيل: أنّ اللّه استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاثة عشر سنة من نزول القرآن بهذه الآية (عن ابن عباس)، و قيل: كانت الصحابة بمكة مجدبين فلما هاجروا و أصابوا الريف و النعمة فتغيروا عمّا كانوا عليه، فقست قلوبهم، و الواجب أن يزدادوا الإيمان و اليقين و الإخلاص، في طول صحبة الكتاب (عن محمد بن سعد). و مع اختلاف هذه الأقوال إلّا أنّها تلتقي في نقطة واحدة هي أنّ الآية جاءت تعالج تحوّلا سلبيّا في حياة الأمّة.

كما الأرض قد تكون فيها الحجر فلا ينفذ فيها الماء, وقد تكون ليّنة ينفذ فيها الماء لتنبت من كلّ زوج كريم, هكذا قلب الإنسان قد يكون ليّناً ينفذ فيه الموعظة والوحي الالهي وقد يكون قلوبهم كالحجارة أو أشدّ قسوة لا يخشع لذكر الله ولما نزل من الحق.

وهكذا تجد اولئك الذين كان قلبهم مُهيّئاً لاستقبال النصيحة كهمّام أو الحرّ الرياحي او الفضيل ابن عيّاض نفذت فيهم فغيّرت مسيرة حياتهم, أمّا اوئلك الذين قست قلوبهم لم ينفذ فيها النصيحة من أمثال عُمر ابن سعد.

ومن أجل الوصول الى خشوع القلب على الانسان تطبيق قوله تعالى من سورة الزمر: [وَالَّذِينَ اجْتَنَبُواْ الطَّغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَ أَنَابُواْ إِلىَ اللَّهِ لهَمُ الْبُشْرَى‏  فَبَشِّرْ عِبَادِ(17)الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ][1]

اولاً: الكُفر بالطاغوت, فأيّ شخص حارب الطاغوت ولم يخضع للمنظومة الثقافية الطاغوتية هؤلاء هم عباد الله المُخلصين.

ثانياً: [الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ] يُحلّلون الكلام فيُميّزون بين الحق والباطل والحسن والأحسن, و من هنا علينا أن لا نمرّ من هذه الحقائق دون وعيها ودون تطبيقها على ذواتنا.

ثالثاً: ومن أجل الوصول الى خشوع القلب وتحصينه من القسوة على الانسان أن يكون ضمن تجمّع سواءً كان في اطار هيئة او رابطة او ما شاكل, فيتواصى بالحقّ ويستمع الموعظة, وبذلك يخرج من اطار الذاتية الى استماع الموعظة ليتخلّص من الذاتية.

رابعاً: الالتزام بالموازين الشرعية, و تجنّب الوقوع في المُحرّمات, فأكل الحرام يوجب قسوة القلب.

 [وَ مَا نَزَلَ مِنَ الحْقّ]

وتأكيد قولنا ربّنا تعالى بذكر الحق لبيان أنّ محور الدين هو الحق.

[وَ لَا يَكُونُواْ كاَلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيهْمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبهُمْ]

إذا وجد الانسان نفسه تعوّد على دعاءٍ ما فليقرء غيره لعلّ فيه خشوع قلبه, وإذا لم يجد من نفسه تأثيراً فليعود المرضى, وليزور الأموات, وهكذا تتعدّد الأساليب ليوصل الانسان الى خشوع القلب.

ولكي لا يدّب فينا اليأس يأتي قوله تعالى: [اعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يحُيىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتهِا  قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الاَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ]

أرأيت كيف تنبسط على الصعيد حلة خضراء بعد ان كانت الأرض هامدة كأنها مقبرة مهجورة؟ انظر الى الحياة التي تدب فيها، و تفكر في قدرة اللّه، أليس الذي أحياها بقادر على ان يحيي ميت القلوب؟ فما ذا اليأس بلى. قد تحيط بالمؤمنين ألوان المشاكل، فتمسهم البأساء و الضراء، و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات و يزلزلون، لكن  لا ينبغي للمؤمنين أن يقنطوا من رحمة الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سورة الزمر, الآية17-18.