Search Website

تدبرات في سورة (الحديد) شهر رمضان المبارك / 1439 هـ – (الثاني عشر)

تدبرات في سورة (الحديد) شهر رمضان المبارك / 1439 هـ – (الثاني عشر)

بسم الله الرحمن الرحيم

((اعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يُحيىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا  قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الاَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقَاتِ وَ أَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَ لَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ))

صدق الله العلي العظيم

((سورة الحديد المباركة))

يُحيي الأرض بعد موتها

كما تُحيى الأرض بعد أن كانت بواراً كأنّها مقبرة مهجورة؟! هكذا أيضاً يُحيي الرب المُتعال قلب الإنسان بعد موته, وهكذا يُحيي المجتمعات أيضاً, فالسنُة الالهية في ذلك سواء, فالأرض مُستعدة للتحوّل الى حلّة خضراء, وتكون كذلك حين يُنزّل الله من السماء ماءاً, وفي قلب الإنسان أيضاً شُعلة ضمير يستيقظ بالموعظة, وهكذا في المجتمعات اولو بقيّة ينهون عن الفساد في الأرض قد يُحيي الله بهم البلاد, يقول تعالى: [وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ].[1]

وهكذا يُحيي الله الأرض بوليّه الإمام المنتظر كما جاء في الحديث الشريف عن أبي جعفر (عليه السلام)، في ذيل هذه الآية قال: «يعني بموتها كفر أهلها، و الكافر ميت، فيحييها الله بالقائم (عليه السلام) فيعدل فيها، فتحيا الأرض و يحيا أهلها بعد موتهم.»[2]

فيحكم العدل والقسط والحق, فالآية تُعطي للبشر الأمل في الاستزادة من النفحات الإلهية في إحياء القلب.

بين العلم والعقل

بدء الآية المُباركة بالعلم حيث يقول ربّنا: [اعْلَمُواْ], وتنتهي الآية بالتعقّل حيث يقول تعالى: [لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ]

لأنّ العلم يسبق التعقّل, فهو يرسم للإنسان المسير, بعد ذلك يملك الإنسان رؤية صحيحة ممّا يوصله الى العاقلية.

بعد الآية التي ذكرت مشكلة البشر الكبرى الا وهي قسوة القلب تُبيّن في الآيات التالية امكانية وطريق التخلّص من القسوة.

يقول ربّنا: [إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقَاتِ وَ أَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا]

الإنفاق هو طريق التخلّص من النفاق,  فحين يأمر الرب المتعال نبيّه (ص) بقوله: [خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِه][3] فالإنفاق يُذهب العُجب والغرور والطغيان, لأنّه استطاع أن يغلب النفس الأمّارة, وليس بالضرورة أن يكون الإنفاق من المال فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال: «كلّ معروف صدقة إلى غني أو فقير»[4] و قال: «إماطتك الأذى عن الطريق صدقة، و نهيك عن المنكر صدقة، و ردّك السلام صدقة»[5]

و الصدقة هي ما يصدّق به الإنسان ربّه، فلأنّه الذي أمر و وعد بالثواب ينبعث إلى الإنفاق، و سمّيت الصدقة صدقة لأنّها تثبت صدق الإيمان بالعمل و تثبّته.

 [وَ أَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا]

و من ذلك العام يخصّ اللّه القرض بالذكر وقد جاء في الحديث الشريف عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: «مكتوب‏ على‏ باب‏ الجنة الصدقة بعشرة و القرض بثمانية عشر»[6]

[يُضَاعَفُ لَهُمْ وَ لَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ]

الطاقات التي هباها الرب المُتعال للإنسان كثيرة جدّاً, لكن ولعدم وجود الدافع تجد الإنسان لا يستفيد منها, وهكذا المجتمعات تحوي على طاقات هائلة لكنّها لا تستفيد منها لعدم وجود الدافع, لو وعينا قوله سبحانه وتعالى: [فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ][7]

و بايمان الإنسان بالميزان, وافتقاره لأصغر الأعمال يتحوّل ذلك الى دافع من أجل فعل المزيد من الحسنات, ومن جهة أخرى فما احصاه الله ونسيناه من الذنوب التي اقترفناها, كلّها تدفع الانسان لفعل المزيد من الحسنات التي تذهب السيئات.

ومن ذلك هو دافع الإنفاق في سبيل الله, فلو فكّر الإنسان باقتصاد 10% من مصاريفه وانفاقها للفقراء والمساكين, أو في سبيل احياء شعائر الدين, لكان لذلك آثار كبيرة في الدنيا والآخرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سورة الأعراف, الآية58.

[2] البرهان في تفسير القرآن، ج‏5، ص: 288

[3] سورة التوبة, الآية103.

[4] بحار الانوار/ ج 96 ص 12.

[5] بحار الأنوار/ ج 75 ص 5.

[6] الكافي (ط – الإسلامية)، ج‏4، ص: 33

[7] سورة الزلزلة, الآية7.